خلاصة بحث شهادة الشهود في الميدان الجنائي في القانون المغربي.
إن دراسة موضوع شهادة الشهود ودورها في الإثبات الجنائي، كان الهدف الأساسي منه هو تبيان مدى حجية وقوة ثبوتية الدليل المعنوي المستقى منها، وتقدير مرتبتها حسب قوة إقناعها كدليل جنائي يصطدم دائما وأبدا مع قاعدة سلطة القاضي الجنائي في تقدير أدلة الإثبات. فيستطيع إعمالا لاقتناعه أن يأخذ من الأدلة المعروضة أمامه في ملف الدعوى ما يرتاح له من الأدلة، ويطرح ما لا يوجب اطمئنان وجدانه، وفق قواعد العقل والمنطق السليم. وعلى اعتبار أن مضمون الشهادة ينصب على الواقعة الجرمية التي عايشها الشاهد بأحد حواسه، يرى الفقيه الشهير بنتام أن الشهود هم أعين وآذان العدالة، لان الاعتقاد الذي كان سائدا ولازال هو أنه لا توجد وسيلة تقرب الأحداث الجرمية إلى ذهن القاضي أفضل من الشهادة، لأنها تعتمد على السرد التلقائي، وأقوال أشخاص حضروا الجريمة بالصدفة، وهذه الصدفة هي التي اختارتهم ليكونوا التسجيل البشري للواقعة الجرمية.
إن دراسة موضوع شهادة الشهود ودورها في الإثبات الجنائي، كان الهدف الأساسي منه هو تبيان مدى حجية وقوة ثبوتية الدليل المعنوي المستقى منها، وتقدير مرتبتها حسب قوة إقناعها كدليل جنائي يصطدم دائما وأبدا مع قاعدة سلطة القاضي الجنائي في تقدير أدلة الإثبات. فيستطيع إعمالا لاقتناعه أن يأخذ من الأدلة المعروضة أمامه في ملف الدعوى ما يرتاح له من الأدلة، ويطرح ما لا يوجب اطمئنان وجدانه، وفق قواعد العقل والمنطق السليم. وعلى اعتبار أن مضمون الشهادة ينصب على الواقعة الجرمية التي عايشها الشاهد بأحد حواسه، يرى الفقيه الشهير بنتام أن الشهود هم أعين وآذان العدالة، لان الاعتقاد الذي كان سائدا ولازال هو أنه لا توجد وسيلة تقرب الأحداث الجرمية إلى ذهن القاضي أفضل من الشهادة، لأنها تعتمد على السرد التلقائي، وأقوال أشخاص حضروا الجريمة بالصدفة، وهذه الصدفة هي التي اختارتهم ليكونوا التسجيل البشري للواقعة الجرمية.
فإن جاءت الشهادة صحيحة وصادقة مطابقة للحقيقة الواقعية كانت أفضل دليل على الإطلاق في المواد الجنائية لأنها تنصب على حوادث عابرة تقع فجأة لا يسبقها أي تراض او اتفاق ،
إذ أن الجرائم ترتكب مخالفة للقانون، ولا يتصور إثباتها مقدما واقامة الدليل عليها، وانما دائما يعمل فاعلها على إزالة معالم جريمته وطمسها عكس المواد المدنية التي تحصل غالبا بناء على اتفاق بين الخصوم.
بينما اذا
كانت الشهادة معيبة فانها تصبح مصدر تضليل للعدالة ولذلك يمنع الأشخاص من الادلاء
بشهادتهم بحكم مانع منصوص عليه قانونا .
لذلك نجد
أن هذا الموضوع يكتسي أهمية كبيرة في المجال الجنائي والذي من خلاله خلصنا إلى عرض جملة
من التوصيات أهمها:
-
فيما يخص تكوين القضاة :
بما أن الشهادة تعتبر دليل اثبات مهم في المواد الجنائية، وأبعد من ذلك يكاد أن لا يخلو ملف دعوى منها، هذا من جهة وعلى اعتبار أن الشهادة ليست بدليل كتابي محفوظ فإن الشهود دائما محل شك وريبة، ذلك لما يتعرض له الشهود من مؤثرات تودي بهم إلى الانزلاق في الخطأ أو الكذب، ومسألة تقصي صدق من كذب الشهادة تعتبر من الأمور الصعبة، لأن القاضي فيها يتعمق ويبحث في شخصية الشاهد، وما لهذه الشخصية من أبعاد، وعلى هذا يستحسن انشاء مادة علمية متخصصة في موضوع علم الشهادة ، على غرار بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لأنه إن شأنا أم أبينا فإنه لا يوجد مجال يستغنى فيه عن الذاكرة البشرية مهما تطورت الوسائل لعلمية ووسائل التسجيل.
غير أن هذه الذاكرة البشرية يمكن أن يطرأ عليها تغيير او تحريف سواء كان إرادي )الكذب(
أو غير إرادي )الخطأ(
وكلها تعتبر من عيوب الشهادة مما يحمل القاضي مسؤولية اكتشاف هذه العيوب، وعليه وجب التكثيف من المواد المتعلقة بعلم النفس في مقررات المعهد العالي للقضاء لأن القاضي الجنائي يجب
أن يكون في مستوى مقولة "القاضي خبير الخبراء".
وكذلك يجب ان تشمل هذه المادة العلمية مبادئ علم التواصل حتى
يكون القاضي في مستوى إعطاء الانطباع الجيد في نفسية الشاهد من حيث تعامله معه
واستجوابه .
-
اننا نرى ان العدالة التي تعتمد في الاثبات
الجنائي على شهادة الشهود كدليل اثبات
بنسبة كبيرة في تدبير القضايا المعروضة عليها ،لا بد انها عدالة معطوبة
تبقى بعيدة عن تحقيق نسبة كبيرة من العدل في احكامها . لان الشاهد في
الأول والأخير هو انسان تعتريه مجموعة من العيوب والنواقص ،وان عيوبه ونواقصه
ستنعكس حثما على شهادته المدلى بها امام القضاء
،ولذلك فانه يجب على السلطة المكلفة بتسيير جهاز العدالة ان تعمل الى توفير
الإمكانيات العلمية المتاحة والتي تعرف تطورا كبيرا كل يوم في اثبات الجرائم بدل
التكاسل وتقاعس أجهزة التحقيق وتعليق مصير الناس والمشبوه فيهم لرغبات ونزوات
الشهود .
-
ان أهمية الأدلة العلمية في الاثبات
الجنائي تزداد يوما عن يوم ،لان معطيات التطور العلمي والتقني في شتى المجالات قد
امدت الإنسانية بوسائل قائمة على أسس علمية رصينة ذات نتائج دقيقة ،وقد شمل هذا التطور
العلمي مجال كشف الجريمة وذلك بالاعتناء بدراسة وتقصي ادق مخلفاتها ،وإعطاء
النتائج العلمية بشانها ،وبذلك يتم التقليل من أهمية الدليل الظني القولي المتمثل
في شهادة الشهود ،الذي يبقى كدليل مكمل وموضح لباقي الأدلة العلمية الأخرى .
فمعلوم انه من مستحدثات هذه الوسائل
العلمية نجد ان هناك إمكانية لمعالجة مختلف الاثار المادية للجريمة عن طريق
التحاليل الكيماوية المختبرية للانسجة
والاتربة وبصمات الأصابع واثار الاقدام ،وكذلك الأجهزة المتطورة في مجال فحص
الأسلحة النارية ومخلفاتها ،واستخدامات الاشعة السينية والتحليل الطيفي الكيماوي
في منطقة الاشعة فوق البنفسجية وفي الاشعة تحت الحمراء . ان هذه الطرق وغيرها كثير
يمكن ان يقلل من الاخطار التي تحدق بشهادة الشاهد عند تقديمه لشهادته كدليل اثبات
في المادة الجنائية .
ومسايرة
لهذا التطور العلمي فيجب على القضاء ان ينفتح على هذه الأدلة العلمية ويعتمدها
كوسائل متطورة مبنية على أسس موضوعية رصينة ،مع الاحتفاظ للسلطة التقديرية للقاضي
الجنائي بتقدير قيمة هذه الأدلة التي تقدم له ومراقبة مدى احترامها للشرعية ولباقي
شروط ادلة الاثبات .
فيما يخص الشهود:
_ هناك
حالات يكون الشاهد فيها
مخير
بين الإدلاء بأقواله محرفة وكاذبة لا تنقل الحقيقة أو
أن يهدد في سلامته أو سلامة ذويه وبذلك تمتزج الشهادة مع مشاعر الخوف والاضطراب والقلق وتصبح الصورة المنقولة عنه غير صحيحة أو غير واضحة على الأقل لدى القاضي مما يجعل الشاهد مظللا للعدالة لا مرشدا لها ،
لذلك اصدر المشرع القانون رقم 10-37 الذي يقرر حماية خاصة للشهود إذا ما كانت
هناك أسباب جدية من شأنها أن تعرض حياته أو سلامته للخطر ، الا انه تجب الإشارة
الى ان الممارسة العملية لهذه الطريقة في حماية الشهود والتي تم التنصيص عليها في
قانون المسطرة الجنائية تستوجيب ان ترافقها توفير إمكانيات مادية ولوجيستيكية
كفيلة بتنفيذ الغاية من التنصيص على هذا القانون، والا فانه سيبقى حبرا على ورق، خاصة ان تمتيع الشاهد بالحماية الأمنية يتطلب وجود
أسباب جدية تفيد تهديده، وتبقى هذه الجدية محل نقاش وخاضعة للسلطة التقديرية لوكيل
الملك او الوكيل العام للملك او قاضي التحقيق، لانه ليس هناك معيار محدد لمفهوم جدية التهديد، كما ان الملاحظ بكون جل المحاكم المغربية العادية لا تتوفر على اية تجهيزات فنية وتقنية تمكن القاضي من الاستماع الى الشاهد عن طريق
وسائل الاتصال عن بعد، كما ان المشرع لم ينظم القيمة القانونية لمثل هذه الشهادة
وطرق تلقيها ونقلها الى القاضي .
كما انه
حتى في الحالات التي لا يكون فيها الشاهد مهددا في حياته ،ولو حتى في الجرائم
البسيطة فان الشاهد غالبا ما يجد حرجا كبيرا وهو يؤدي شهادته امام المحكمة بجلسة
علنية ،خصوصا وان أهالي المتهم والمطالب بالحق المدني يتواجدون بالقاعة والشاهد
يسرد وقائع شهادته بتفصيل، فان ذلك يجعل الشاهد
يحس باحراج وضغط نفسي كبير ،هذا هو الامر الذي يجعل العديد من الشهود لا يرغبون في
الادلاء بشهادتهم امام المحكمة ويتخلفون عن الحضور لتفادي هذه المواجهة مع أهالي
واقارب اطراف الخصومة ،لاجل ذلك يجب على
المشرع ان يجد حلولا تشريعية لمثل هذه الأمور وما يخضع له الشاهد من ضغط نفسي رهيب
وهو يؤدي شهادته كان يقرر إمكانية الاستماع الى بعض الشهود بناء على طلبهم في جلسة
غير علنية .
وهكذا أتمنى أن أكون قد وفقت إلى حد ما في الإلمام بالموضوع واعطائه ما يستحق من الجهد والدراسة.
0 التعليقات: