المبحث
الثاني : اتفاق التحكيم و أثاره
إن الحديث عن اتفاق التحكيم يشمل كافة الجوانب المتعلقة به من حيث الكشف عن
ماهيته (المطلب الأول) وكذا أثاره ( المطلب الثاني).
Ø المطلب الأول :ماهية
اتفاق التحكيم
إذا كان التحكيم هو وسيلة اختيارية للفصل في النزاعات ،فان الأمر يستدعي ضرورة
تحديد مفهومه وصوره(الفقرة الأولى)،وكذا شروط إبرامه(الفقرة الثانية).
- الفقرة الأولى: مفهوم
اتفاق التحكيم و صوره.
للإحاطة بموضوع اتفاق التحكيم وصوره سوف نعمل أولا على تحديد مفهومه ،ثم نتعرض
إلى صوره ثانيا.
أولا :مفهوم
اتفاق التحكيم
عرفه القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي في المادة السابعة من الفصل
الثاني بانه "اتفاق بين الطرفين على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض
المنازعات المحددة التي نشأت أو قد تنشاء بينهما بشان علاقة قانونية محددة،تعاقدية
كانت أو غير تعاقدية،ويجوز أن يكون اتفاق التحكيم في صورة شرط تحكيم واردة في عقد
أو في صورة اتفاق منفصل."[1]
وقد عرفه المشرع المشرع المغربي في الفصل 307 ق .م.م "اتفاق التحكيم هو
التزام الأطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشا أو قد ينشا عن علاقة قانونية
معينة تعاقدية أو غير تعاقدية".
فالاتفاق على التحكيم،هو في الأصل اتفاق تعاقدي منفصل عن العقد الأصلي ووارد
في شكل محرر أو مكتوب،ويتم باتفاق طرفين أو أكثر.
وترى أغلبية الفقه بان اتفاق التحكيم هو عقد تتولد عنه التزامات شانه في ذلك
شان عقد أخر فهو يسبق الإجراءات ولا يشكل مرحلة من مراحلها.
ويتبين مما سبق أن اتفاق التحكيم هو عقد من العقود المسماة،يخضع في تنظيمه
للتشريع الخاص او لقواعد قانونية محددة،كما أن الموضوع هو عقد من العقود
البسيطة،حيث يتجلى مضمونه في التوافق الإرادي لحل نزاع أو خصومة و بالتالي فهو عقد
معبر عن الإرادة الحرة للمتعاقدين.[2]
ثانيا : صور
اتفاق التحكيم
إن التحكيم النابع من الإرادة الذاتية للأطراف قد يتم التعبير عنه بإحدى
الصورتين المعروفتين :
ü شرط التحكيم :
هو اتفاق بين طرفين في عقد دولي يتعهدان بمقتضاه أن يخضعوا للتحكيم المنازعات
التي يحتمل أن ينشا عن ذلك العقد أي هو اتفاق على الالتجاء إلى التحكيم سابق على
وقوع النزاع.[3]
كما عرف أيضا بأنه شرط يتم إدراجه في العقد الأساسي المبرم بين الأطراف و
يتضمن اتفاقهم على إحالة أي نزاع مستقبلي قد ينشا بخصوص العقد إلى التحكيم وشرط التحكيم يقضي بأن يحال
إلى التحكيم كل نزاع ينشا أو يتصل بتنفيذ العقد أو تفسيره،فهو بذلك يتم عند إتمام
العقد وقبل حدوث نزاع،فلا ينتظر فيه الإطراف العلاقة القانونية نشوب النزاع وإنما يسبقون الأحداث
ليتفقوا على التحكيم مقدما في العقد الذي يبرمونه أو باتفاق مستقل قد يكون لاحقا
للعقد ولكنه على أية حال سابق على قيام النزاع .[4]
وقد نص المشرع المغربي على شرط التحكيم الفصل 316 من ق.م.م[5]
. و شرط التحكيمي هو الاتفاق الذي يتعهد بموجبه المتعاقدون على إحالة النزاع التي
قد تنشا عن العقد كما جاء ذلك في نص المادة 1442 من الفصل الأول من قانون
المرافعات المدنية الفرنسي لسنة 1980.
أما فيما يخص الصيغة التي يرد فيها شرط التحكيم،فهي صيغة ليست محددة،لكن
يجب أن تكون واضحة وليس محل جدل أو غموض
كي لا تثير تفسيرات مختلفة من قبل أطراف أو حتى المحكمين.
وقد يكون شرط التحكيم كليا أو جزئيا بمعنى أن يشمل التحكيم بعض أو كل
المنازعات التي قد تنشا. و يمكن أن يكون شرط التحكيم مدرجا في العقد الأصلي
المنظم للعلاقة بين الأطراف أو أن يكون واردا بشكل مستقل.
وقد أوردت بعض القواعد التحكمية الدولية أمثلة ونماذج لصيغ شرط التحكيم مثل
النموذج الذي وضعته غرفة التجارة الدولية بباريس لصيغة شرط التحكيم والذي جاء فيه:
"جميع الخلافات التي تنشا عن هذا العقد أو التي لها علاقة به يتم حسمها
نهائيا وفقا لنظام التحكيم لغرفة التجارة الدولية بواسطة محكم أو عدة محكمين يتم
تعينهم.[6]
·
اتفاق معظم
التعريفات حول مبدأ استقلال شرط التحكيم
والذي يؤكد على استقلالية شرط التحكيم من الناحية القانونية أن لكل من شرط و
العقد الأصلي محل مختلف فمحل الشرط هو الفصل في نزاع يمكن أن ينشا بشان العقد، أما
محل العقد فهو أمر مختلف و يختلف حسب نوع العقد، وكذلك سبب كل منهما مختلف فسبب
الشرط هو تعهد كل طرف بعدم الالتجاء إلى
القضاء بالنسبة لما يثور بينهما من نزاع حول عقد معين،أما السبب في العقد الأصلي
فهو أمر مختلف تماما.[7]
وبالنسبة للمغرب فقد نص قانون المسطرة المدنية في الفصل 318 على انه
"يعتبر شرط التحكيم اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى ،ولا يترتب على بطلان
العقد أو فسخه أو إنهائه أي اثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط
صحيحا ".
وفيما يخص تكريس أحكام القضاء لمبدأ
استقلال اتفاق التحكيم فان هناك العديد من الأحكام القضائية و التحكمية الدولية
ومن بينها :
الحكم. الصادر بتاريخ 7 مايو 1963 عن محكمة النقض الفرنسية بباريس بخصوص
القضية المعروفة ب Gosset
حيث ذهب قرار الحكم بالقول إلى انه في( إطار
التحكيم التجاري الدولي،فان اتفاق التحكيم سواء تم على نحو منفصل ومستقل عن
التصرف القانوني الأصلي أو تم إدراجه به فانه يتميز دائما إلا إذا ظهرت ظروف
استثنائية باستقلال قانوني كامل يستبعد معه أن يتأثر اتفاق التحكيم بأي بطلان
محتمل يلحق بهذا التصرف).[8]
وبهذا فان الاستقلالية تستمد من الموضوع المختلف لكل من العقدين الأصلي و
الاتفاق على التحكيم،فالاتفاق على التحكيم هو ليس سوى عقد يرد على الإجراءات ولا
يهدف إلى تحديد حقوق التزامات الأطراف الموضوعية،ولكنه بنصب على الفصل في
المنازعات الناشئة عن تلك الشروط الموضوعية التي يتضمنها العقد الأصلي،ويترتب عن
ذلك في أن الاتفاق على التحكيم ليس مجرد شرط وارد في العقد الأصلي،بل هو عبارة عن
عقد أخر من طبيعة مختلفة،فهو عقد ثان و إن كان مندمجا من الناحية المادية في العقد
الأصلي.[10]
ü عقد التحكيم :
يعتبر عقد التحكيم الصورة الثانية التي يمكن أن يأتي بها اتفاق التحكيم، ويتم
اللجوء إليها بعد وقوع أو نشوب النزاع. وبهذا فان وجود النزاع يعد امرأ ضروريا فهو
يعني أصلا بالاتفاق على فض نزاع وقع بالفعل عن طريق التحكيم،وقد نص المشرع المغربي
عليه من خلال الفصل 314 ق.م.م "عقد التحكيم هو الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف
نزاع نشا بينهم بعرض هذا النزاع على هيئة تحكمية.
ولصحة هذا العقد لابد من شروط يجب أن يتضمنها وهي:
موضوع النزاع
تعيين الهيئة التحكمية أو بيان طريقة تعينها.
وقد رتب المشرع البطلان على عدم تحديد موضوع النزاع وتعيين المحكمين أو طريقة
تعيينهم كما رتب الإلغاء على رفض الحكم البث فيه.أما بخصوص الأجل فلم يحدد المشرع
أجلا إجباريا وإنما ترك الأمر للإطراف وفي حالة عدم الاتفاق على كل ذلك تنتهي مهمة
المحكمين بمرور ستة أشهر على اليوم الذي قبل فيه أخر محكم مهمته.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي
اغفل الإشارة إلى تاريخ عقد التحكيم مع أن لهذا التاريخ أهمية قصوى خصوصا تحديد
يساعد على احتساب اجل التحكيم.
وللإشارة هناك من يرى أن هذه الإجراءات تبدأ من اللحظة التي يتسلم فيها المدعي
عليه طلب التحكيم من المدعي ما لم يتفق الطرفان على موعد أخر وهو ما نصت عليه
الفقرة الثانية من قواعد التحكيم الذي أكدته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري
الدولي لسنة 1976 .[11]وهناك
من يجعل لإرادة الطرفين الصادرة في تحديد لحظة بدء التحكيم وهو ما نص عليه القانون
الانجليزي للتحكيم لسنة 1966 ففي الفقرة الأولى من المادة 14 [12]
- الفقرة الثانية : شروط اتفاق التحكيم
بما أن اتفاق التحكيم هو تصرف كأي تصرف قانوني آخر فانه لا يسري بحق الغير ولا
يرتب أي أثر من الآثار القانونية , الا في حالة توافر الشروط الخاصة بهذا التصرف
حيث بدون هذه الشروط يكون التصرف باطلا لا بل معدوما , يتعلق الامر هنا بالشروط
الموضوعية (أولا) ثم الشروط الشكلية (ثانيا).
أولا :
الشروط الموضوعية
اتفاق التحكيم عقد ينشئ التزامات متبادلة بين طرفيه وهو يخضع في تكوينه وشروطه
للقواعد العامة للعقود ومن ذالك ضرورة توافر
الأهلية و الرضا و المحل و السبب .
ü الأهليـــــــــــــــة
يشترط لصحة اتفاق التحكيم أن يكون
صادرا عن شخص يملك أهلية إبرامه فاذا صدر عن شخص لا يتوفر على الأهلية اللازمة
لابرام مثل هذا التصرف فان ذلك يؤدي الى بطلان شرط التحكيم [13] و يقضي الفصل 308 من ق
م م في فقرته الأولى على أنه ’ يجوز لجميع الأشخاص من ذوي الأهلية الكاملة سواء
كانوا طبيعيين أو معنويين أن يبرموا اتفاق التحكيم ...’ ويعني هذا أن المشرع
يستلزم بالضرورة توافر الشخص الذي يرغب في الموافقة على التحكيم على الأهلية [14]
فحسب هذا الفصل يتبين أن الأهلية المطلوبة هي اهلية التصرف في الحقوق موضوع
التحكيم .
فاشتراط القدرة على التصرف في الحقوق يعد معيارا للأهلية التي يجب توافرها قي
أطراف شرط التحكيم , لذلك يقتضي التفرقة بين الأشخاص الطبيعية و الأشخاص المعنوية [15]
فبالنسبة للشخص الطبيعي تخضع الأهلية في إبرام العقود التي تدخل في حظيرة القانون
الدولي الخاص الى القانون الوطني .
وبالرجوع إلى المادة 5 من الفقرة 1 من اتفاقية نيويورك لسنة 1958 نجدها تخضع
أهلية أطراف التحكيم الى قانون الأحوال الشخصية كما أنها تخول رفض الاعتراف بتنفيذ
مقرر التحكيم متى كان أطراف التحكيم بمقتضى القانون الوطني ناقصي الأهلية .
هذا وليس المحكم كالقاضي لكي يطبق القانون بالنظر للقواعد الوطنية للارتباط، و
لهذا السبب هناك من الفقه من اقترح تطبيق قواعد النزاع المرتبط بمقر هيئة التحكيم
.
ولم يسلم هذا الاتجاه من نقد لكون المقر المختار بحسب قواعد النزاع قد يعطي
لأحد الأطراف الحق في إبرام اتفاق التحكيم على الرغم من أن قانونه الوطني يعتبره
ناقص الأهلية .
وهناك من الفقه من وضع بعض الحدود على قانون الأحوال الشخصية على اعتبار أن
مبدأ نقصان الأهلية لا لاينبغي ان يسري على المتعاقد حسن النية
أما أهلية الشخص المعنوي فتخضع لقانون البلد الذي يوجد فيه المقر الرئيسي
للشركة , و لهذا السبب يتعين على القاضي المغربي اعتماد هذا القانون لتقدير مدى
أهلية الشخص لإبرام اتفاق التحكيم [16]
.
ü الرضـــــــــــــا
المقصود بالرضا من الناحية القانونية هو اتفاق إرادتين على إحداث أثر قانوني [17]
ولابد في اتفاق التحكيم من تلاقي إرادة الطرفين على اتخاذ التحكيم وسيلة لفض
النزاعات الناشئة أو التي ستنشأ بينهما [18]
فالإرادة تلعب دور مهم في إبرام اتفاق التحكيم و هي بذالك تمنح الاختصاص للفصل
في النزاع إلى هيئة التحكيم بدل القضاء ولا تخضع هذه الإرادة لشكل معين بحيث يمكن
لمن عرض عليه التحكيم أن يقبله إما بكيفية صريحة أو ضمنية [19] و يجب أن تكون هذه الإرادة قد جاءت سليمة و
خالية من عيب من العيوب التي تصيب الإرادة كالغلط و التدليس و الإكراه و الغبن [20]
فعندما يدعي أحد الأطراف بأن اتفاق التحكيم يشوبه أحد عيوب الرضا يثور التساؤل حول
الجهة التي تملك البت في طلب المدعي أهي هيئة التحكيم أم القضاء؟
بالرجوع الى مبدأ الإختصاص المنصوص عليه في القانون المغربي نجد أن الجهة
الموكول لها النظر في هذا الطلب هي هيئة التحكيم , و سواء اعتمدت هيئة التحكيم على
القانون المختار من لدن الأطراف أم القانون الذي له ارتباط كبير باتفاق التحكيم
فالأمر لايطرح اشكالا طالما أن عيوب الرضا هي من العيوب المتعارف عليها دوليا [21]
ü المحـــــــــــــــــــــــــــــــــــل
يقصد بالمحل في عقد
التحكيم هو ما ينعقد رضا الطرفين عليه , وهو عبارة عن نزاع قائم بالفعل أو محتمل
القيام وهو حق متنازع فيه أو مشكوك في مصيره , ويشترط في المحل بصورة عامة في كل
العقود أن يكون موجودا أو ممكن الوجود ,و معينا أو قابلا للتعيين , كما يجب أن يكون
المحل مما يجوز التعامل فيه [22]فحسب الفصل 61 من ق ل ع يجوز أن يكون محل
الالتزام شيئا مستقبلا او غير محقق فيما عدا الاستثناءات المقررة بمقتضى القانون .
كما يلاحظ أن مقتضيات الفصل 309 تتماشى مع ما جاء به الفصل 306 من ق م م الملغى
الذي كان يمنع اشتراط اللجوء الى التحكيم في الهبات و الوصايا المتعلقة بالأطعمة و
الملابس و المساكن و المسائل المتعلقة بحالة الأشخاص و أهليتهم و المسائل التي تمس
النظام العام [23]
كما سمحت الفقرة الثانية من الفصل 308 من ق م م المعدل إمكانية أن يكون محل
شرط التحكيم النزاعات الداخلة في اختصاص المحاكم التجارية عملا بالمادة 5 من
القانون رقم 53,95 القاضي بإحداث محاكم تجارية .
وتجدر الإشارة إلى أنه إذا كان وجود النزاع يعتبر شرطا ضروريا لقيام شرط
التحكيم فانه يشترط فيه أن يكون من طبيعة قانونية و على أساس ذلك تستبعد كل
المنازعات التي لا تكتسي طابعا قانونيا كالمنازعات ذات الطبيعة السياسية ومن
جملتها تلك الناجمة عن اتخاذ تدابير التأميم أو نزع الملكية أو غيرها [24] .
ü السبـــــــــــــــــــــــــــــب
يوجب القانون بأن يكون لكل التزام سبب مشروع , ولكنه لم يشترط أن يذكر في
العقد و إنما يفترض في القانون وجوده و مشروعيته ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك .
فالسبب لا يثير أي صعوبة على اعتبار أن، السبب في التزام احد طرفي التحكيم هو نزول الطرف
الآخر عن الحق في الالتجاء إلى القضاء مع التزامه بطرح النزاع أمام محكم ليفصل فيه
بحكم ملزم له[25] .
ثانيا :
الشروط الشكلية
بالإضافة إلى الشروط الموضوعية فإن اتفاق التحكيم يستلزم توفر شروط شكلية
المتمثلة في الكتابة .
تشترط أغلب التشريعات أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا إلا أنها تختلف فيما بينها
في تطبيق شرط الكتابة وأثره على قيام اتفاق التحكيم[26].
ويكمن الهدف من وجود هذا الشرط الحيلولة دون القيام بمنازعات فرعية قد يكون من
شأنها عرقلة مهام الهيئة التحكيمية أو تعطيل إصدار الحكم أو العودة بالنزاع إلى
القضاء وإلى ما دون ذلك من عقبات قد تقف أمام التحكيم ، كما تظهر أهمية الكتابة أو
تحرير الاتفاق لإثباث صحة أي تعديل لاحق لأي بند من بنود الاتفاق على التحكيم خاصة
حينما يتعلق امر هذا التعديل بالمسائل المتعلقة بمدة التحكيم أو محل النزاع ، أو
سلطة المحكمين أو الإجراءات الواجبة الاتباع ، أو القانون الواجب التطبيق على
النزاع ، حيث أن أي تعديل من هذا القبيل يتطلب كتابته والتوقيع عليه من قبل
الطرفين كي يصبح الأمر صحيحا وبعيدا عن أي تشكيك به[27].
ينص الفصل 313 من ق.م.م المعدل على أنه : ‘
يجب أن يبرم اتفاق التحكيم
كتابة إما بعقد رسمي أو عرفي وأما بمحضر يحرر أمام الهيئة التحكيمية المختارة ،
ويعتبر اتفاق التحكيم مبرما كتابة إذا ورد في وثيقة موقعة من الأطراف أو في رسائل
متبادلة أو اتصال بالتلكس أو برقيات أو أي
وسيلة أخرى من وسائل الإتصال والتي تعد بمثابة الإتفاق تثبث وجوده أو حتى بتبادل
مذكرات الطلب أو الدفاع التي يدعي فيها أحد الطرفين بوجود إتفاق تحكيم دون أن
ينازعه الطرف الأخر في ذالك .
فالمشرع المغربي اذن اشترط الكتابة بصفة عامة
لصياغة شرط التحكيم دون أن يحصرها في شكلية معينة[28].
كما بين الفصل 317 من ق.م.م المعدل الصياغة
التي يكون عليها شرط التحكيم بنصه "
يجب تحت طائلة البطلان أن يضمن شرط التحكيم كتابة في الإتفاق الأصلي أو في
وثيقة تحيل عليه بشكل لا لبس فيه وأن ينص في
شرط التحكيم إما على تعيين المحكم أو المحكمين وإما على طريقة تعيينهم [29]"
وتجدر الإشارة بالنسبة لإتفاقية نيويورك لسنة
1958 أنها قد أوجبت بأن يكون شرط أو إتفاق التحكيم مكتوبا ، إلا أنها قد نصت على
صحة إتفاق التحكيم الذي لا يتخد شكل الكتابة إذا كان بين دول لا تشترط قوانينها
كتابة الإتفاق التحكيمي .
وهذا يعني حسب ما جاء في هذه الاتفاقية إلغاء
قرار التحكيم في حالة عدم وجود اتفاق صريح بالنسبة لقوانين الدول التي تشترط كتابة
الإتفاق . وقد ذهبت في نفس الاتجاه القانون
النموذجي للتحكيم التجاري الدولي في المادة 42 منه ، وكذا الشأن بالنسبة
لاتفاقية الأوروبية التي عبرت عن ذالك في مادتها الثانية ، وبذالك تكون إتفاقية
نيويورك والقانون النموذجي ، والاتفاقية الأوربية قد أقروا جميعا شرط كتابة إتفاق
التحكيم سواء كان هذا الإتفاق على صورة شرط أو مشارطة، وحتى ولو كان أحد أطرافه
دولة لا تشترط قوانينها الوطنية الكتابة [30].
وحول ما يتعلق بالكتابة الإلكترونية فإن جل
التشريعات الحديثة ومن بينها قانون المسطرة المدنية ولتسهيل ظروف التجارة الدولية وتحريرها من
القيود لم تحدد شكلا محددا يتعين أن تنجز فيه الكتابة، أي لم تقصرها على المحرر
الورقي التقليدي المتعارف عليه بل أخذت بصياغة شرط التحكيم التي يمكن أن تنصب في
دعامات أخرى الكترونية كالحاسوب [31]،
ومتى
تحققت الكتابة فإن شرط التوقيع عليها يبقى الوسيلة الأساسية التي يعتمد عليها
للأطراف في الإثبات لأجل ذلك سعت مختلف التشريعات إلى تحديث مفهوم التوقيع وذلك من
خلال تبنيها للتوقيع الإلكتروني ومنه حجية قانونية تعادل تلك الممنوحة للتوقيع
اليدوي[32].
Ø
المطلب الثاني: أثار اتفاق التحكيم
كما
اشرنا سابقا أن التحكيم هو وسيلة اختيارية للفصل في المنازعات التي تقع أو قد تقع
بين الأفراد أو الجماعات. وإذا ابرم اتفاق التحكيم صحيحا وفقا للأحكام السابقة
ذكرها،ترتب على ذلك عدة اثأر قانونية سواء بالنسبة لأطراف التحكيم(الفقرة الأولى)
أو بالنسبة للمحكم (الفقرة الثانية) ،ويترتب عن ذلك أيضا استقلال اتفاق التحكيم(
الفقرة الثالثة).
- الفقرة الأولى:
التزام الأطراف بشرط التحكيم
تعتبر إرادة الطرفين هي أساس صياغة شرط
التحكيم ,حيث تبني موضوع الالتزام و أهدافه و تبدو أهمية الصياغة في أنها تحدد
مستقبل التحكيم و إجراءاته ، فالتحكيم يصبح إجباريا و ملزما للأطراف بعد القيام
بعملية صياغة شرط التحكيم، لان أساس الالتزام بالتحكيم يكمن في إتفاق الطرفين على
التحكيم[33].
وبذلك يعد مظهرا من مظاهر سلطان الإرادة
الشخصية في التعبير عن حرية إبرام ما يشاء الأشخاص من العقود[34]. وعملا بمبدأ الأثر النسبي للعقود[35]. أي سريانه في مواجهة من التزم بها دون غيره.
و التزام الأطراف أيضا يبقى منحصرا في حدود
موضوع ومحل ما تم اشتراط التحكيم بشأنه، لذلك يجب صياغة شرط التحكيم في عبارات
واضحة لا يكتنفها الغموض و اللبس.[36]
- الفقرة الثانية:
استبعاد القضاء العادي من النظر في النزاع
إذا كان التعريف التقليدي لاتفاق التحكيم
الدولي هو ذلك العقد الذي يتفق الأطراف بمقتضاه عرض نزاع القائم فعلا بينهم أو
النزاع الذي قد ينشا في المستقبل بمناسبة تنفيذه عقد معين على محكمين بدلا من عرضه
على القضاء.فان فحوى هذا الاتفاق إذن هو العدول عن عرض النزاع على القضاء العادي و
الالتجاء به أمام التحكيم.
ويلجا الأطراف إلى الاتفاق على التحكيم لعرض ما
ينشا بينهما من نزاعات على المحكمين و بموجب هذا الاتفاق يمتنع على احد الأطراف
اللجوء إلى القضاء لحل هذه النزاعات ،و اتفاق التحكيم يرفع ولاية القضاء عن النظر
في النزاع سواء أكان سابقا على وقوع النزاع أم لاحقا له[37].
وتخويل المتعاقدين الحق في الالتجاء إلى
التحكيم لنظر ما قد ينشا بينهم من نزاع كانت تختص به المحاكم أصلا،فان اختصاص جهة
التحكيم بنظر النزاع، و إن كان يركن أساسا إلى حكم القانون الذي أجاز استثناء سلب
اختصاص جهات القضاء ،إلا انه ينبني مباشرة وفي كل حالة على حدة على اتفاق الطرفين
وهذه الطبيعة الاتفاقية التي يتسم بها شرط التحكيم ،و تتخذ قواما لوجود تجعله غير
متعلق بالنظام العام ،فلا يجوز للمحكمة أن تقضي بإعماله من تلقاء نفسها ،و إنما
يتعين التمسك به أمامها.[38]
غير أن الناحية السلبية من الأثر(سلب النزاع
من ولاية القضاء العادي) لا تعني أن المحكمة المختصة نفصل يدها كلية عن التحكم، إذ
تظل تقدم له بعض الخدمات اللازمة لسير الإجراءات أو لفاعلية قرار التحكيم .مما ينم
عن تواجد تعاون بين التحكيم و القضاء العادي .[39]
و تجدر الملاحظة، أن رفع الاختصاص عن القضاء
لا يوجد في الحالة التي يكون فيها اتفاق التحكيم باطلا أو ليس له اثر أو عدم
قابليته للتطبيق،وهو ما أشارت إليه المادة 2 من اتفاقية نيويورك.[40]
خلاصة
وختاما في بحث شروط صحة اتفاق التحكيم، يمكن
القول بضرورة التثبت من صحة اتفاق التحكيم بشروطه الموضوعية والشكلية، لأن من شأن
ذلك أن يساهم في تحقيق فعالية التحكيم، من خلال السماح للأطراف اللذين يفضلون اللجوء
إلى هذه الوسيلة من إحاطة اتفاقاتهم بعناية قصوى عند تحريرها، حتى لا يكون مصير الأحكام
التحكيمية البطلان، وبدل أن يكون الهدف من التحكيم، هو تحقيق السرعة في البت في النزاعات
يكون نقمة على أطرافه، وإهدارا لوقتهم.
[5] ينص
الفصل 316من ق.م.م" شرط التحكيم هو الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف عقد بان
يعرضوا على التحكيم النزاعات التي قد تنشا عن عقد المذكور"
[9] تتلخص
هذه القضية في تعاقد شركة هولندية وشخص فرنسي لا يعتبر من التجار و بالتالي ليس
جائزا ان يتضمن العقد شرط طبقا لأحكام القانون الفرنسي،و حينما أراد المتعاقد
الفرنسي تجاهل شرط التحكيم الذي ورد في العقد،بلجوئه إلى القضاء الفرنسي،دفعت
الشركة الهولندية بعدم جواز نظر القضاء للدعوى استنادا إلى شرط التحكيم. وقبلت
المحاكم الفرنسية هذا الاعتراض بناء على وجوب احترام شرط التحكيم بصفة مستقلة و
بقطع النظر عن أحكام القانون الفرنسي طالما وان العقد دوليا لاتصاله بمعاملة
خارجية.
ذ – سعيد
يوسف البستاني : القانون الدولي الخاص تطور وتعدد طرق حل النزاعات الخاصة الدولية
. منشورات الحلبي الحقوقية الطبعة اللأولى 2014 ص 292 [26]
[28] نبيلة بن يحيى التحكيم في عقود التجارة الدولية
. رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص جامعة عبد المالك السعدي ص 113-114
[40] تنص
المادة 2 من اتفاقية نيويورك "على
محكمة الدولة المتعاقدة التي يطرح امامها النزاع حول موضوع كان محل من الأطراف
بالمعنى الوارد في هذه المادة،ان تحيل الخصوم بناء على طلب احدهم الى التحكيم.
وذلك ما لم يثبت للمحكمة ان هذا الاتفاق باطل ولا اثر له او غير قابل
للتطبيق".
0 التعليقات: