Global Site Tag (gtag.js) - Google Analytics -->

السبت، 7 مارس 2020

تقرير عن رسالة حول موضوع شهادة الشهود كدليل اثبات في الميدان الجنائي.


                 




      تقرير عن رسالة شهادة الشهود كدليل اثبات في الميدان الجنائي

 اذا كانت الكتابة هي اهم دليل اثبات في المواد المدنية ، فان  الاثبات بشهادة الشهود  يعتبر  اهم الادلة في الميدان الجنائي بعد الاعتراف ،  حيث تعتبر أكثر وسيلة يلجأ إليها القضاة لتكوين قناعتهم حول  واقعة إجرامية معينة .
فاذا كانت شهادة الشهود قد فقدت نوعا ما مكانتها في المواد المدنية ، فانها  في المواد الجنائية لازالت تعتبر الدليل الحاسم في الكثير من الملفات المعروضة على القضاء ،فالشهود كما يقال هم أعين وآذان العدالة . فالممارسة العملية تفيد ان نسبة لا يستهان بها من الملفات يتم البت فيها باعتماد شهادة الشهود كوسيلة الاثبات الوحيدة في الملف.
فنظرا  لصعوبة اثبات الوقائع المادية التي تصاحب وقوع الجريمة او تعقبها وإقامة الدليل عليها ،لان هذه الوقائع المكونة للجريمة عادة ما تقع فجاة ولا يمكن تصور اثباتها مسبقا ،او اعداد الدليل عليها من قبل وقوعها مثل ما هو الامر في التصرفات القانونية المدنية ،لاجل ذلك وُجد نظام الاثبات بشهادة الشهود لحفظ الحقوق من الضياع ومن اجل الارشاد على المجرمين وتوقيع العقاب الملائم  عليهم .
إن الحديث عن أهمية الشهادة و مكانتها في الإثبات الجنائي لا يجعلنا ا ننسى العيوب والمشكلات التي تشوب الشهادة خاصة في ظل غياب الضمير و إنعدام الاخلاق عند الكثير من الشهود الذين يلجاون الى أداء الشهادة امام المحاكم بمقابل مادي واتخادها حرفة لهم .
ولاجل ذلك حاولت  من خلال هذا البحث العلمي المتواضع الإجابة على مجموعة من الإشكاليات المرتبطة بموضوع شهادة الشهود في الميدان الجنائي :
وذلك بابراز  المكانة التي تحتلها الشهادة كدليل من ادلة الاثبات المعتمدة  في الإثبات الجنائي وما هي شروط صحتها  ؟ وماهي  الإجراءات المتبعة لسماع الشهود ؟ و ما هي الإلتزامات الواجبة على الشهود ؟ وكذلك ما هي الحقوق المخولة قانونا للشاهد ؟ وماهي حدود سلطات القاضي الجنائي في تقدير الشهادة كدليل من بين ادلة الاثبات ؟
كما حاولت  تسليط الضوء على اهم الإشكالات التي تعيق العمل بشهادة الشهود  وتحط من قيمتها كدليل اثبات مهم في البت في الكثير من القضايا الجنائية .
ومن اجل تناول الموضوع بالدرس والتحليل فقد عملت على تقسيمه تقسيما ثنائيا الى فصلين:
 بحيث خصصت   الفصل الأول منه للوقوف على ماهية الشهادة  فخصصت المبحث الأول من الفصل لتعريف الشهادة لغة واصطلاحا  وكذلك التطرق الى التعريفات الفقهية والقانونية.  ثم بيان مشروعيتها والحكمة من العمل بشهادة الشهود ، وكذلك حاولت   إعطاء نبذة  تاريخية عن أهمية شهادة الشهود في المجتمعات القديمة والمجتمع الإسلامي ،وأيضا الحديث عن أنواع واقسام الشهادة.
اما المبحث الثاني فقد حصصته الى الحديث عن اهم الشروط القانونية المتطلبة قانونا في الشهادة ذاتها ( كوجوب أدائها بمجلس القضاء – وان تكون شفوية  وبحضور الخصوم – وعلنية  بعد حلف اليمين )وأيضا الشروط الواجب توفرها في الشاهد ليكون مقبولا امام المحكمة للادلاء بشهادته (ان يكون مميزا ومدركا –الحرية والإرادة –وعدم تعارض صفة الشاهد مع أي صفة أخرى في الدعوى-ولا يكون محكوم عليه بعقوبة جنائية –او ممنوع من الشهادة  بسبب الحفاظ على السر المهني)   قبل ان اختم المبحث  بالحديث عن اهم الحقوق التي خولها القانون للشاهد والمتمثلة أساسا في الحق في الحماية والحق في التعويض . 
اما الفصل الثاني من البحث   فقد حاولت تخصيصه  للجانب العملي القضائي  فتطرقت في المبحث الأول الى الحديث عن كل ما يتعلق  بإجراءات سماع الشهود  ابتداء من الحديث عن مسطرة استدعائهم للحضور امام الجهة القضائية المختصة (قاضي التحقيق او المحكمة)سواء تعلق الامر بشهود عاديين او أعضاء الحكومة وممثلي الدول الأجنبية ،ثم  مسطرة تلقي شهادتهم  امام القضاء المختص .
اما المبحث الثاني فقد تطرقت فيه  الى القيمة الاثباتية لشهادة الشهود وسلطات القاضي الجنائي  في تقدير قيمتها الثبوتية وضوابط هذه السلطة التقديرية  ،قبل ان اختم الفصل بالحديث عن اهم الإشكالات التي تعترض سلامة عملية تلقي الشهادة واعتبارها الدليل الأول في الاثبات الجنائي . وبهذا الخصوص فقد تطرقت الى جريمة شهادة الزور واركانها وعقوبتها ،وأيضا الى معضلة  ما يعرف بالمساطر المرجعية امام المحاكم الجنائية وما يترتب عنها من إعطاء سلطة كبيرة للشهود في تحديد مصير الكثير من المتهمين ،وما ينتج عن ذلك من عمليات ابتزاز يقوم بها الشهود في حق المتهمين .
الخلاصة .
إن الشهادة اذا جاءت  صحيحة وصادقة مطابقة للحقيقة الواقعية كانت أفضل دليل على الإطلاق  في المواد الجنائية بينما اذا كانت معيبة فانها تصبح مصدر تضليل للعدالة .
لذلك  نجد أن هذا الموضوع يكتسي أهمية كبيرة في المجال الجنائي والذي من خلاله خلصنا إلى عرض  جملة من التوصيات أهمها:
-               فيما يخص تكوين القضاة :
بما أن الشهادة تعتبر دليل اثبات مهم في المواد الجنائية، ومسألة تقصي صدق  الشهادة من كذبها تعتبر من الأمور الصعبة، لأن القاضي فيها يتعمق ويبحث في شخصية الشاهد، وما لهذه الشخصية من أبعاد، وعلى هذا:
1- يستحسن انشاء مادة علمية متخصصة في موضوع علم الشهادة ، على غرار بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لأنه شئنا أم أبينا فإنه لا يوجد مجال يستغنى فيه عن الذاكرة البشرية مهما تطورت الوسائل العلمية ووسائل  التسجيل.غير أن هذه الذاكرة البشرية يمكن أن يطرأ عليها تغيير او تحريف سواء كان إرادي )الكذب( أو غير إرادي )الخطأ( وكلها تعتبر من عيوب الشهادة مما يتحمل معه  القاضي مسؤولية اكتشاف هذه العيوب وعليه:
 -02 -وجب التكثيف من المواد المتعلقة بعلم النفس في مقررات المعهد العالي  للقضاء لأن القاضي الجنائي  يجب أن يكون في مستوى مقولة "القاضي خبير الخبراء". وكذلك يجب ان تشمل هذه المادة العلمية مبادئ علم التواصل حتى يكون القاضي في مستوى إعطاء الانطباع الجيد في نفسية الشاهد من حيث تعامله معه واستجوابه .
-            اننا نرى ان العدالة التي تعتمد في الاثبات الجنائي على شهادة الشهود كدليل اثبات  بنسبة كبيرة في تدبير القضايا المعروضة عليها ،لا بد انها عدالة معطوبة تبقى بعيدة عن تحقيق  نسبة  كبيرة من العدل في احكامها . لان الشاهد في الأول والأخير هو انسان تعتريه مجموعة من العيوب والنواقص ،وان عيوبه ونواقصه ستنعكس حثما على شهادته المدلى بها امام القضاء  ،ولذلك فانه:
03-        يجب على السلطة المكلفة بتسيير جهاز العدالة ان تعمل على توفير الإمكانيات العلمية المتاحة والتي تعرف تطورا كبيرا كل يوم في اثبات الجرائم بدل التكاسل وتقاعس أجهزة التحقيق وتعليق مصير الناس والمشبوه فيهم لرغبات  ونزوات  الشهود  .
ان أهمية الأدلة العلمية في الاثبات الجنائي تزداد يوما عن يوم ،وقد شمل التطور العلمي مجال كشف الجريمة وذلك بالاعتناء بدراسة وتقصي ادق مخلفاتها ،وإعطاء النتائج العلمية بشانها ،وبذلك يتم التقليل من أهمية الدليل الظني القولي المتمثل في شهادة الشهود ،الذي يبقى كدليل مكمل وموضح لباقي الأدلة العلمية الأخرى .
ومسايرة لهذا التطور العلمي فيجب على القضاء ان ينفتح أيضا على هذه الأدلة العلمية ويعتمدها كوسائل متطورة مبنية على أسس موضوعية رصينة .
فيما يخص الشهود:
_  هناك حالات يكون الشاهد  فيها مخير بين الإدلاء بأقوال محرفة وكاذبة لا تنقل الحقيقة   أو أن يهدد في سلامته أو سلامة ذويه وبذلك تمتزج الشهادة مع مشاعر الخوف والاضطراب والقلق وتصبح الصورة المنقولة عنه غير صحيحة أو غير واضحة على الأقل لدى القاضي، مما يجعل الشاهد مظللا للعدالة لا مرشدا لها .
 لذلك اصدر المشرع القانون رقم 10-37 الذي يقرر حماية خاصة للشهود إذا ما كانت هناك أسباب جدية من شأنها أن تعرض حياته أو سلامته للخطر .
 وهذا القانون قد جاء متقدما في شكله وحتى في موضوعه ولكنه يثير مجموعة من الملاحظات على المشرع العمل على تداركها ويمكن تلخيصها فيما يلي :
1-      ضرورة الاخد بعين الاعتبار جميع الأسباب التي ترعب  الشاهد وتوفير الحماية له بمجرد طلبها حتى يمكن توفير السكينة والطمانينة للشاهد، لان تقدير الأسباب الجدية يختلف من شخص لاخر ،كما ان سلامة الشاهد المستحق للحماية يجب ان تشمل أيضا السلامة النفسية ،فالشاهد الذي يتلقى تهديدا  يرى فيه البعض امرا عاديا ولكن ذلك التهديد قد يحول حياة الشاهد الى جحيم وبالتالي فالشاهد وحده يستطيع ان  يعبر على  مدى الخطورة  التي يتعرض لها او المعاناة التي يعانيها ويلزم توفير الحماية له متى طلبها ،وان لا يبقى تقدير وجود الخطر الجدي من عدمه خاضع فقط  للسلطة التقديرية لوكيل الملك او الوكيل العام للملك او قاضي التحقيق  .
2-     كما ان الملاحظ بكون جل المحاكم المغربية العادية لا تتوفر على اية تجهيزات فنية وتقنية   تمكن القاضي من الاستماع الى الشاهد عن طريق وسائل الاتصال عن بعد ،كما ان المشرع لم ينظم القيمة القانونية لمثل هذه الشهادة وطرق تلقيها ونقلها الى القاضي رغم الحديث عنها في الفصل 347 ن ق م ج . ولذلك فانه يجب  توفير إمكانيات مادية ولوجيستيكية كفيلة بتنفيذ الغاية من التنصيص على  حماية الشهود القانونية والجسدية  ،والا فانه سيبقى حبرا على ورق .
3-     يجب على المشرع ان يجد حلولا تشريعية تجعل الشاهد يتفادى الضغط النفسي الرهيب الذي يتعرض له وهو يؤدي شهادته ، كأن يقرر إمكانية الاستماع الى بعض الشهود بناء على طلبهم في جلسة غير علنية .حتى يتفادى مواجهة أهالي المتهم والمطالب بالحق المدني الذين  يتواجدون بقاعة الجلسات ،وبذلك قد يتم تشجيع الناس على الادلاء بشهاداتهم بدلا من التخوف والتهرب  منها والتصريح بجميع المعلومات التي التي تفيذ المحكمة .


banner
الموضوع السابق
الموضوع التالى

0 التعليقات: