Global Site Tag (gtag.js) - Google Analytics -->

الثلاثاء، 10 مارس 2020

اتفاق التحكيم التجاري الدولي - المبحث الثاني



المبحث الثاني: آثار اتفاق التحكيم .

ان اتفاق الاطراف على اللجوء الى التحكيم سواء بموجب  شرط  في عقد، او بموجب عقد تحكيم يجعل الأطراف يتجنبون اللجوء الى القضاء الرسمي للدولة لسبب من الأسباب التي تدخل في اعتبارات خاصة لكل طرف ،وخاصة وان المتعاقد الأجنبي يرغب دائما في الخضوع الى قوانين دولية يعرفها مسبقا ويتحاشى الخضوع لقانون وإجراءات قضائية للبلد الذي يشتغل فيه والتي لا يعرف عنها الكثير ان لم يكن يجهلها .
ان الاتفاقيات الدولية ومعها القوانين الوطنية للدول قد جعلت اتفاق التحكيم الذي يبرمه طرفي العلاقة التجارية  والذي يعتبر المصدر الأساسي الذي يعطي الحق للمحكمين في بسط يدهم على النزاع والبت فيه ،ينتج عنه اثارا ومبادئ قانونية  والتي يمكن دراستها من خلال التطرق في المطلب الأول الى مبدا استقلال  اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي  على ان نتطرق في المطلب الثاني الى اثار اتفاق التحكيم اتجاه اطرافه.  

المطلب الأول : استقلال اتفاق  التحكيم عن العقد الأصلي :


استقلالية التحكيم عن العقد الأصلي من المبادئ المستقرة حاليا في إطار القوانين الوضعية أو المعاهدات الدولية ولوائح التحكيم . حيث تستمد هذه الاستقلالية من الموضوع المختلف لكل من العقدين : العقد الأصلي و الاتفاق على التحكيم .
فالاتفاق على التحكيم هو عقد ينصب محله على الفصل في المنازعات الناشئة عن تنفيد او تفسير بنود العقد الأصلي . ويترتب عن ذلك أن الاتفاق على التحكيم ليس مجرد شرط وارد في العقد الأصلي ، بل هو عبارة عن عقد آخر من طبيعة مختلفة .فما هو المفهوم الفقهي لاستقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي ؟وماهي اثاره ؟

 الفقرة الأولى :مفهوم مبدا استقلال اتفاق التحكيم واهميته .


 ان الفقه لما تناول مفهوم مبدا استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي ميز بين معنيين لهذا المبدا فهناك معنى تقليدي واخر معاصر حديث .
أولاً- المعنى التقليدي لمبدأ استقلالية اتفاق التحكيم وهو ما يعبر عنه بالاستقلال المادي اتجاه العقد: وينصرف المفهوم التقليدي لمبدأ استقلال اتفاق  التحكيم إلى انفصال هذا الاتفاق  عن العقد الأصلي الذي ورد فيه، أو ارتبط به، بحيث ينظر دائماً في تقدير صحة اتفاق التحكيم إلى ذات ماهيته، أي من حيث وجوده هو لا من حيث وجود العقد [1] ومن التعريفات التي قيلت بهذا الخصوص ما يلي: يقصد باستقلالية شرط التحكيم عن العقد الأصلي: أن عدم مشروعية العقد الأصلي، أو صحته أو بطلانه، أو فسخه، لا يؤثر على شرط التحكيم، سواء كان هذا الشرط مدرجاً في العقد الأصلي، أم كان مستقلاً عنه في صورة اتفاق تحكيم، وأساس هذا النظر أن اتفاق التحكيم يعالج موضوعاً مختلفاً  عن موضوع العقد الأصلي، لأن اتفاق التحكيم تصرف قائم بذاته له كيانه المستقل عن العقد  الأصلي [2]
ثانياً- المعنى الحديث لمفهوم استقلال شرط التحكيم: لم يقف مفهوم استقلال اتفاق التحكيم عند المعنى التقليدي الذي ينصرف إلى استقلاله المادي عن حكم العقد الذي ورد فيه، وإنما اتخذ مفهوماً آخر، وهو استقلاله عن حكم القانون الذي يحكم العقد الأصلي ، وعن سائر القوانين الوطنية.
فيقصد من استقلالية شرط التحكيم عن القانون الذي يحكم العقد الأصلي: أنه إذا كان القانون المطبق على  العقد الأصلي يعتبر  اتفاق التحكيم باطلا  لعيب في الرضا مثلاً، أو لاختلاف صفة الأطراف، أو لطبيعة الالتزامات التعاقدية الوارد بشأنها، أو يمنعه في بعض العقود، إلى غير ذلك فإن ذلك لا أثر  على  صحة اتفاق التحكيم  [3]
ويقصد من استقلالية اتفاق التحكيم عن سائر القوانين الوطنية: فهو استقلال اتفاق التحكيم عن كل قانون يؤدي إلى بطلانه، وتسري عليه قواعد قانونية مستمدة من مبادئ وعادات التجارة الدولية [4]
ثالثا -أهمية استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي .
إن الارتباط بين اتفاق التحكيم والعقد  الأصلي يترتب عليه عدم السير في إجراءات التحكيم حتى تفصل الجهة القضائية في المنازعات المتعلقة باختصاص هيئة التحكيم، أو انعدام ولايتها ، وبصورة أخرى يمكن القول بأن ارتباط اتفاق التحكيم بالعقد الأصلي يؤدي إلى غل  يد المحكم عن التحكيم، بمجرد أن يطرح أي طرف عدم صحة العقد الأصلي . ويصبح المحكم عندئذ ملزماً بإعلان عدم صلاحيته [5]
فإذا قام أحد أطراف العقد بالطعن في العقد الأصلي بأحد أوجه البطلان، فإن الأخذ بالارتباط بين اتفاق التحكيم والعقد الأصلي يؤدي إلى جعل المحكم غير أهل لنظر المنازعات المتعلقة بالعقد الأصلي، لأنه لا يمكن للمحكم أن يفصل في صحة عقد هو مصدر سلطاته، وعلى ذلك إذا تم الطعن في صحة العقد الأصلي فإن القضاء هو الذي سيتصدي لهذه المسألة، ويمكنه من خلال النظر في  صحة العقد الأصلي التصدي لأساس النزاع [6].
أما الأخذ بمبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن موضوع العقد الأصلي، فإن ذلك يؤدي إلى عدم تأثر اتفاق التحكيم ببطلان العقد الأصلي، بحيث يعتبر اتفاق التحكيم مستقلاً عن العقد الأصلي، وسيكون للمحكم في حالة استقلالية اتفاق التحكيم النظر في المنازعات المتعلقة ببطلان العقد الأصلي، لأنه لا يستمد ولايته منه وإنما من اتفاق التحكيم المستقل عنه [7]
ويرى أحد الفقهاء[8] بأن الحكمة من استقلالية اتفاق التحكيم تكمن في أن اتفاق التحكيم سواء كان شرطاً أو مشارطة، فإنه ليس عقداً موضوعياً من عقود القانون الخاص الذي يؤمه القانون المدني،إنما هو اتفاق إجرائي من اتفاقات القانون الإجرائي، الذي يؤمه قانون المرافعات، ولذلك فإن اتفاق التحكيم لا يرتبط وجوداً وعدماً بأي عقد موضوعي حتى ولو كان هذا الاتفاق قد نشأ بمناسبة عقد موضوعي، فاستقلال اتفاق التحكيم يعتبر محضاً لاستقلال الاتفاقيات الإجرائية عن الاتفاقيات الموضوعية، وبذلك فإن الاستقلال ليس حكراً على اتفاق التحكيم وصوره، وإنما يسري على كل الاتفاقيات الإجرائية فالاتفاق على اختصاص محكمة المدعي مثلاً بشأن المنازعات الناشئة عن عقد إيجار هو اتفاق إجرائي مستقل عن العقد الموضوعي.

 الفقرة الثانية : موقف الاتفاقيات  الدولية من مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد الاصلي .