المبحث الأول: ماهية اتفاق التحكيم وصوره وشروطه في الاتفاقيات الدولية :
ويتضح من ذلك إن الإرادة الحرة هي العمود الفقري
للتحكيم، فهو يقوم على احترام إرادة طرفي التحكيم بإفساح الحرية لهما لتنظيمه
بالكيفية التي تناسبهما . ومن ثم فهو
مقصور حتما على ما تنصرف إرادة المحتكمين إلى عرضه على هيئة التحكيم .
ومن خلال ما سبق سوف نحاول التطرق الى تعريف اتفاق
التحكيم وصوره من خلال المطلب الأول
على ان نتطرق الى شروطه في المطلب الثاني .
المطلب الأول : تعريف اتفاق التحكيم في الاتفاقيات الدولية والإقليمية وصوره :
ان مقاربة مفهوم اتفاق التحكيم تجعلنا نعمل
في البداية على ذكر ما توصلنا اليه من بعض التعريفات لاتفاق التحكيم في الاتفاقيات
الدولية والإقليمية (الفقرة الأولى) على ان نتطرق بعد ذلك الى صور اتفاق
التحكيم (الفقرة الثانية )
الفقرة الأولى :
تعريف اتفاق التحكيم في الاتفاقيات الدولية والإقليمية
من خلال الاطلاع على
مجموعة من التعريفات التي تضمنتها الاتفاقيات الدولية نجدها تكاد تجمع على
نفس المفاهيم فيما يخص تحديد معنى اتفاق التحكيم ، وانها استعملت عبارات متشابهة
وواضحة ،وقد حاولنا من خلال جرد هذه التعريفات التطرق الى الى الفصول التي اشارت
الى اتفاق التحكيم في الاتفاقيات الدولية التي تعتبر أساسا ومرجعا رئيسيا لكافة
المؤسسات الدولية التي تعنى بموضوع التحكيم ،و هكذا نجد هذه الاتفاقيات تتضمن
التعريفات التالية :
01): تعريف اتفاق
التحكيم
طبقا لبروتوكول جنيف لعام 1923
:
أقرت عصبة الأمم هذا البروتوكول في تاريخ
24 ابريل 1923 وصادقت عليه ( 53 ) دولة ولعل أهم ما ورد في هذا البروتوكول هو نص المادة ( 1) منه التي اعترفت باتفاق التحكيم حيث جاء نص المادة كالآتي: "كل من الدول المتعاقدة تعترف بصحة أي اتفاق سواء كان متعلقاً بالخلافات الحاضرة، أم بالخلافات التي ستحدث في المستقبل، بين طرفين خاضع أحدهما لقضاء دولة متعاقدة والآخر لقضاء دولة متعاقدة أخرى.)[1]
02) تعريف اتفاق التحكيم طبقا لاتفاقية نيويورك 1958:
بالاطلاع على المادة الثانية من اتفاقية الاعتراف
بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها (نيويورك 1958) نجدها تنص على انه :
" أ) تعترف كل دولة متعاقده باي اتفاق مكتوب يتعهد فيه الطرفان
بأن يحيلوا الى التحكيم جميع الخلافات او
اية خلافات نشات او قد تنشا بينهما بالنسبة لعلاقة قانونية محددة ، تعاقدية أو غير
تعاقدية ،تتصل بموضوع يمكن تسويته عن طريق التحكيم .
ب) يشمل مصطلح "اتفاق مكتوب " أي
شرط تحكيم يرد فى عقد، أو اي
اتفاق تحكيم موقع عليه من الطرفين ،أو وارد في رسائل أو برقيات متبادلة .
ج) على المحكمة في
اية دولة متعاقدة ، عندما يعرض عليها نزاع في مسالة
أبْرم الطرفان بشانها اتفاقا بالمعنى المستخدم في هذه المادة ، أن تحيل الطرفين
الى التحكيم بناء على طلب ايهما ، مالم يتبين للمحكمة أن هذا الاتفاق لاغ وباطل أو
غير منفذ أو غير قابل للتنفيذ .
03)- تعريف اتفاق التحكيم طبقا للاتفاقية الأوروبية
للتحكيم التجاري الدولي لسنة 1961.
ان هذه الاتفاقية المنعقدة في جنيف بتاريخ 21 ابريل 1961 قد نصت في مادتها
الأولى المعنونة بنطاق تطبيق الاتفاقية في الفقرة الثانية على تعريفها لمفهوم
الاتفاق التحكيمي بما يلي :
لأجل تطبيق هذه الاتفاقية ، يقصد ب:
(أ)
«اتفاقية التحكيم»: سواء الشرط
التحكيمي المدرج في عقد ، او عبارة عن عقد او اتفاق موقع من الأطراف ، أو
بموجب رسائل متبادلة أو برقيات أو أبراق بواسطة التلكس.وفي العلاقات ما بين
البلدان التي لا تفرض قوانينها الشكل الكتابي لاتفاقية التحكيم ، تعتبر اتفاقية
تحكيم أية اتفاقية معقودة ضمن الأشكال المفروضة بموجب تلك القوانين .
04) تعريف اتفاق التحكيم طبقا لقواعد التحكيم التي وضعتها الأمم المتحدة عام 1976 .
جاء في المادة الأولى من الاتفاقية المذكورة "إذا اتفق طرفا عقد كتابة على إحالة المنازعات المتعلقة بهذا العقد إلى التحكيم، وفقاً لنظام التحكيم الذي وضعته الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي، وجب عندئذ تسوية المنازعات وفقاً لهذا النظام مع مراعاة التعديلات التي قد يتفق عليها
الطرفان كتابة
[2]
05-) تعريف
اتفاق التحكيم طبقا لقانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لعام 1985
لقد عرف قانون الاونسيترال النموذجي للتحكيم
التجاري الدولي بالصيغة التي اعتمدتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي في دورتها التاسعة والثلاثين، في عام 2006 اتفاق التحكيم
في المادة السابعة منه كما يلي :
1"ـ "اتفاق التحكيم"
هو اتفاق بين الطرفين على أن يُحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض النـزاعات التي نشأت
أو قد تنشأ بينهما بشأن علاقة قانونية محددة، سواء أكانت تعاقدية أم غير تعاقدية.
ويجوز أن يكون اتفاق التحكيم في شكل بند تحكيم وارد في عقد أو في شكل اتفاق
منفصل..
6- تشكّل الإشارة في العقد إلى أي مستند يتضمن بندا تحكيميا اتفاق
تحكيم مكتوبا، شريطة أن تكون الإشارة على نحو يجعل ذلك البند جزءا من العقد.
06)- تعريف اتفاق التحكيم
طبقا لاتفاقية عمّان العربية للتحكيم التجاري 1987.
تنص المادة
الثالثة من الاتفاقية العربية المدكورة على انه :
1. يتم الخضوع للتحكيم باحدى
طريقتين الاولى بادراج شرط التحكيم في العقود المبرمة بين ذوي العلاقة،
والثانية باتفاق لاحق على نشوء النزاع.
2.
يقترح ادراج الصيغة التالية في العقود التي تخضع للتحكيم (كل النزاعات الناشئة عن
هذا العقد تتم تسويتها من قبل المركز العربي للتحكيم التجاري وفقا للاحكام الواردة
في الاتفاقية العربية للتحكيم التجاري).
ان الاتفاق على التحكيم يعتبر في جميع
الاتفاقيات الدولية وحتى القوانين الوطنية الوضعية والتي لن نتطرق اليها في هذا
الموضوع ،يعتبر أساس اللجوء الى التحكيم ،وسند المحكمين والهيئات التحكيمية في بسط يدهم على النزاعات التي تعرض عليهم .
والقانون المغربي بدوره
اعتبر اتفاق التحكيم شرط لازم لامكانية اللجوء الى التحكيم ، ونجده قد اعتمد جل مضامين قانون
الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لعام 1985 وضمنها في قانون المسطرة
المدنية في الباب
الثامن تحت عنوان : التحكيم والوساطة الاتفاقية[3] ،ونتيجة لذلك فقد استنسخ من
قانون الاونسيترال المدكور تعريف اتفاق التحكيم
في الفصل 307 من قانون المسطرة المدنية وعرفه بانه (اتفاق التحكيم هو التزام الأطراف
باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن علاقة قانونية معينة، تعاقدية
أو غير تعاقدية.
- يكتسي اتفاق التحكيم شكل عقد تحكيم
أو شرط تحكيم.)
والقضاء المغربي بدوره قد كرس الزامية وجود
اتفاق تحكيم حتى يمكن اللجوء الى التحكيم ويتضح ذلك من خلال قرار محكمة النقض
(المجلس الأعلى سابقا) عدد 291 الصادر بغرفتين بتاريخ 07/03/2007 ملف تجاري عدد
19/3/1/2004 والذي جاء فيه( أن الاتفاق على التحكيم يعد استثناء و الاستثناء، بطبيعته يُؤَول بشكل ضيق، أي أنه لا يمكن اللجوء للتحكيم إلا إذا كان هناك شرط تحكيمي أو اتفاق على التحكيم حرر بشكل معبر عن إرادة الطرفين، من خلال عقد مكتوب أو خطابات متبادلة كما يقضي بذلك الفصلين 307 و 309 من ق.م.م و المادة الثانية من اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف بالمقررات التحكيمية و تنفيذها.)
ان المتتبع والملاحظ لمجمل هذه التعريفات
التي اوردناها في الاتفاقيات الدولية يمكن
له ان يلاحظ انها متشابهة من حيث تحديد معنى ومفهوم اتفاق التحكيم ،وهو الامر الذي يجعلنا نتساءل
حول الأشكال القانونية التي يمكن ان يفرغ
فيها هذا الاتفاق الرضائي بين الأطراف .
الفقرة الثانية :الصيغ القانونية لاتفاق
التحكيم وفق الاتفاقيات الدولية:
لكي
يستطيع أطراف أي معاملة تجارية دولية
اللجوء إلى التحكيم فإنه يتعين عليهم كما
تمت الإشارة الى ذلك أعلاه الإتفاق على ذلك ،فهذا الاتفاق هو الذي ينقل الفصل في
المنازعات من يد القضاة العاديين إلى أشخاص أخريين يختارونهم يطلق عليهم المحكمين
.
ومن
خلال قراءة تعريفات اتفاق التحكيم ومفاهيمه في الاتفاقيات الدولية المشار اليها
أعلاه ،والتي تعتبر المرجع الأساسي لاي جهة تحكيمية في العالم ، يمكن القول ان
هناك اربع صيغ قانونية يستطيع من خلالها اطراف النزاع تجسيد ارادتهم في اللجوء الى التحكيم وهي.
v الصورة الاولى: شرط
التحكيم (بند التحكيم) .
المقصود به
أن يرد في شكل بند من البنود في العقد
المبرم بين طرفي المعاملة التجارية يقضى بأن أي نزاع حول إعمال أو تفسير أو تنفيذ
العقد أو أحد شروطه يتم تسويته عن طريق التحكيم وهذا يقتضى بديهيا أن تكون العلاقة عقدية وان يكون الشرط
سابقا على قيام المنازعة. أي ان هذا البند يتم الاتفاق عليه عند تأسيس العقد
المنظم للمعاملة التجارية .
وقد عرف شرط التحكيم بأنه شرط يتم إدراجه في العقد الأساسي المبرم
بين الأطراف و يتضمن اتفاقهم على إحالة أي نزاع مستقبلي قد ينشا بخصوص العقد إلى التحكيم وشرط التحكيم يقضي بأن يحال
إلى التحكيم كل نزاع ينشا أو يتصل بتنفيذ العقد أو تفسيره، فهو بذلك يتم عند ابرام
العقد وقبل حدوث نزاع، فلا ينتظر فيه اطراف العلاقة القانونية نشوب النزاع وإنما يسبقون الأحداث
ليتفقوا على التحكيم مقدما في العقد الذي يبرمونه أو باتفاق مستقل قد يكون لاحقا
للعقد ولكنه على أية حال سابق على قيام النزاع .[4]
والجدير بالذكر أن شرط التحكيم لا يكاد يخلو من
عقد في مجال عقود الاستثمار ، حيث أن حوالي (80%) من عقود التجارة الدولية تتضمن
شرط التحكيم وخصوصاً في عقود الاستثمار [5].
لذلك
يتبين أن المستثمرين يسعون جاهدين على أدراج شرط التحكيم في عقود الاستثمار
المبرمة مع الدولة الجاذبة للإستثمار ، وذلك لتفادي الخضوع للقانون الوطني للدولة
محتضنة المشروع الاستثماري، وسعيهم الى اخضاع أي نزاع قد يحصل لهم الى قانون
وإجراءات محايدة ،تطبقها هيئة تحكيمية محددة سلفا .
ويمكن أن يكون نص الشرط عامّاً
بحيث يحال أي نزاع مهما كان نوعه من ضمن ذلك الإتفاق إلى التحكيم. ويمكن أن يكون
ذلك النص خاصاً؛ بحيث يحدد نزاعات معينة في حال نشوئها فإنها تحال للتحكيم
( كأن يكون الاختلاف حول تفسير العقد مثلا او تنفيذه ،أو حتى ما يتعلق بالخلافات المالية الناجمة عن
العقد هو ما يتم الفصل فيه عن طريق التحكيم) .
أما فيما يخص الصيغة التي يرد
فيها شرط التحكيم، فان الاتفاقيات الدولية
المدكورة لم تحدد صيغة نموذجية معينة وملزمة للاطراف، لكن يجب ان تكون واضحة وليست محل جدل أو غموض كي لا تثير
تفسيرات مختلفة من قبل الأطراف أو حتى المحكمين.
ونجد ان هناك مجموعة من الصيغ التي يتم تضمينها كبند من البنود في العقد
الأصلي ،وان تلك الصيغ في الغالب تنصح بها المؤسسات التحكيمية الدولية ، في حين نجد بكون اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري لسنة
1987 قد قد نصت في مادتها الثالثة على انه (يقترح ادراج الصيغة التالية في العقود التي تخضع للتحكيم
(كل النزاعات الناشئة عن هذا العقد تتم تسويتها من قبل المركز العربي للتحكيم
التجاري وفقا للاحكام الواردة في الاتفاقية العربية للتحكيم التجاري).
ونجد كذلك النموذج الذي وضعته غرفة التجارة الدولية
بباريس لصيغة شرط التحكيم والذي جاء فيه:"جميع الخلافات التي تنشا عن هذا
العقد أو التي لها علاقة به يتم حسمها نهائيا وفقا لنظام التحكيم لغرفة التجارة
الدولية بواسطة محكم أو عدة محكمين يتم تعينهم.[6]
v
الصورة الثانية : عقد التحكيم .
أن يبرم
طرفا العقد وثيقة مستقلة سواء كانت العلاقة الأصلية علاقة تعاقدية أو غيـر
تعاقدية، يتفق فيها على تسوية المنازعة التي يحددانها عن طريق التحكيم.
ومن خلال
الاطلاع على الكتابات التي تناولت الموضوع
يتضح ان العديد من الفقه وكذا بعض القوانين
الوطنية للدول العربية قد سارت الى اعتماد عبارة (مشارطة التحكيم ) كتعبير عن
العقد الذي يبرمه طرفي المعاملة التجارية بشكل منفصل عن العقد الأصلي و يخول لهما امكانية
اللجوء الى القضاء بعد نشوب نزاع بينهما .
وقد
اختلف الفقه على تعريف عقد التحكيم حيث عرفه جانب من الفقه [7] (انه العقد الذي يتضمن اتفاق طرفيه على خضوع نزاع معين، نشأ فعلاً للتحكيم). وعرفه جانب
اخر بانه " الاتفاق الذي يتم بين الطرفين بعد قيام النزاع بينهما لعرض هذا
النزاع على التحكيم"[8] وذهب اتجاه آخر بتعريفه بأنه: اتفاق يبرمه الأطراف منفصلاً عن العقد
الأصلي بموجبه يتم اللجوء إلى التحكيم للفصل في نزاع قائم فعلاً بصدد هذا العقد[9].
ويلاحظ ان
التعريفات الفقهية قد أجمعت على التمييز
بين شرط التحكيم وعقد التحكيم بان الأول
يجب ان يبرم عند تأسيس العقد او اثناء تنفيذه وقبل نشوب اية منازعة ،والثاني يبرم
بعد نشوب النزاع بخصوص تنفيذ العقد او تفسيره
.
ان الدارس للاتفاقيات الدولية المنظمة لموضوع التحكيم ،
وخصوصا منها الاتفاقيات الدولية التي ذكرناها أعلاه ،وهي اتفاقية
عمان العربية للتحكيم التجاري لعام 1987.و اتفاقية نيويورك لعام 1958 بشأن
الاعتراف بأحكام المحكمين الأجنبية وتنفيذها. و الاتفاقية الأوروبية للتحكيم التجاري الدولي المنعقدة في جنيف بتاريخ 21 ابريل 1961وقانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لعام 1985 ، يلاحظ ان هذه
الاتفاقيات عند وقوفها على تعريف اتفاق
التحكيم قد اشارت فقط الى إمكانية ان يكون اتفاق التحكيم متفقا عليه في عقد منفصل
عن العقد الأصلي المنشئ للعلاقة القانونية ، ولم تحدد هذه الاتفاقيات وقت ابرام العقد
هل قبل وقوع النزاع ام بعده . الا ان الفقه وحسب ما يستفاد من تعريفات عقد التحكيم
المشار اليها أعلاه قد كاد يجمع على ان
العقد المبرم قبل وقوع النزاع ولو كان منفصلا عن العقد الأصلي فهو يدخل في باب شرط
التحكيم ويعتبر بمثابة بند من بنود العقد الأصلي .
والمشرع المغربي بدوره تاثر بهذا التوجه الفقهي ونص
في الفصل 314 من قانون المسطرة المدنية على ان (عقد التحكيم هو الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف
نزاع نشأ بينهم بعرض هذا النزاع على هيئة تحكيمية.)
وهذا التفسير أيضا هو الذي جاء في مذكرة إيضاحية من أمانة الأونسيترال (لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي ) بشأن القانون النموذجي للتحكيم التجاري
الدولي لعام 1985 بصيغته المعدلة في عام 2006
[10] والذي جاء فيه (ويؤكـد هـذا النهـج صحـة ونفاذ التزام الطرفين بأن يحيلا إلى التحكيم أي
نزاع قائم (اتفاق التحكيم "compromis") أو نزاع مقبل (شرط التحكيم "clause compromissoire").
v الصورة
الثالثة: الإحالة إلى وثيقة أخرى تتضمن شرط تحكيم.
تعتبر هذه الصورة
من صور اتفاقات التحكيم المعاصرة . [11] بالمقارنة مع الصورتين السالفتي
الذكر ، حيث يتخذ اتفاق التحكيم فيها شكل اتفاق بالاحالة على وثيقة اخرى تتضمن شرطا للتحكيم ، على ان تكون هذه الاحالة واضحة في اعتبار الشرط المدكور
جزء من العقد الأصلي . وهذا الاتفاق بالاحالة يحدث عادة في عقود
الشحن بالسفن أو الطائرات[12]، كان يتضمن عقد ايجار سفينة شرط تحكيم ، و يتم ابرام عقد اخر للشحن
بين مكتري السفينة (الناقل) وبين الشاحن فيتم الاحالة فيه على شرط التحكيم في العقد ا الأول.
وقد
أجازت محكمة النقض المصرية أن تضمن في مستندات الشحن الإحالة إلى شرط
التحكيم الوارد في عقد الإيجار، موضحة أن هذه الإحالة تجعل شرط التحكيم ضمن سند
الشحن ويلتزم به المرسل إليه باعتباره في حكم الأصيل رغم عدم توقيعه على سند الشحن
وعدم تعاقده على نقل البضائع إذ يعتبر المرسل إليه طرفاً ذا شأن في عقد النقل [13].
ولقد نص قانون الاونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي على امكانية قيام اتفاق التحكيم بالاحالة عبر الفقرة السادسة من المادة السابعة
التي جاء فيها :" تشكل الاشارة في العقد الى اي مستند يتضمن بندا تحكيميا اتفاق تحكيم مكتوبا ، شريطة ان تكون الاشارة على نحو يجعل ذلك البند جزءا من العقد " .
ويشكل
شرط التحكيم بالإحالة طريق ذات أهمية قصوى بالنسبة للمتعاقدين إذ تساعدهم على
اختصار الوقت، والجهد الذي يمكن أن يبذل في سبيل تنظيم الأحكام التي يمكن أن تطبق
على التحكيم
المتعلقة بمنازعاتهم .ويكتفي طرفي التجارية بالإشارة الى ان معاملتهم تخضع الى نفس بنود
العقد السابق الذي يكون قد ابرم بينهما ويتضمن اتفاقا للتحكيم .
وقد نص قانون المسطرة المدنية المغربي بدوره من خلال الفقرة الثالثة من الفصل 313 على انه " ويعد في حكم اتفاق التحكيم المبرم كتابة كل إحالة في عقد مكتوب إلى
أحكام عقد نموذجي أو اتفاقية دولية، أو إلى أي وثيقة أخرى تتضمن شرطا تحكيميا إذا
كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءا من العقد. ".
ويمكن
القول ان هذه الصورة يمكن اعتبارها شرطا للتحكيم لانها تنشا مع انشاء العقد
الأصلي بين الطرفين ،ومن خلال بنوده المتضمنة لشروط أخرى، تتم الإشارة الى بند
تحكيمي في عقد اخر او الى عقد تحكيمي اخر
وتجعل المعاملة التجارية خاضعة لاحكام ذلك العقد او البند الاخر .
v
الصورة الرابعة : المراسلات المتبادلة اذا تضمنت اتفاقا للتحكيم :
تجب الاشارة في الأخير الى ان بعض الفقه يؤسس لصورة
رابعة من صور اتفاق التحكيم وذلك من خلال الفقرة الرابعة من الفصل السابع للقانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي
للاونيسترال الذي ينص على انه : (يستوفى اشتراط أن يكون اتفاق التحكيم
مكتوبا بواسطة خطاب إلكتروني إذا كانت المعلومات الواردة فيه متاحة بحيث يمكن
الرجوع إليها لاحقا؛ ويقصد بتعبير "الخطاب الإلكتروني" أي خطاب يوجّهه
الطرف بواسطة رسالة بيانات؛ ويقصد بتعبير "رسالة البيانات" المعلومات
المنشأة أو المرسلة أو المتلقاة أو المخزنة بوسائل إلكترونية أو مغنطيسية أو بصرية
أو بوسائل مشابهة تشمل، على سبيل المثال لا الحصر، التبادل الإلكتروني للبيانات
والبريد الإلكتروني والبرق والتلكس والنسخ البرقي.)
و نعتقد بكون هذه الحالة تشكل فعلا شكلا من اشكال
الاتفاق على التحكيم لانها جاءت في الفصل المذكور كتوضيح لمفهوم شرط الكتابة في
اتفاق التحكيم ، وتم اعتبار الحالات المشار اليها أعلاه من تبادل للمراسلات
الالكترونية المتضمنة لاقتراح اللجوء الى التحكيم ، او الموافقة الصريحة على
اللجوء الى التحكيم بواسطة هذه المراسلات الالكترونية التي يمكن الرجوع اليها في
أي وقت وعند نشوب أي خلاف حول مدى قيام
اتفاق التحكيم من عدمه ،اعتبرتها الاتفاقية بمثابة عقد مكتوب ،ويتساوى في ذلك ان
تكون تلك المراسلات قد تمت قبل وقوع النزاع او بعده ،لانها في جميع الأحوال تعتبر
وسيلة لاثبات قيام التراضي بين الطرفين على اللجوء الى التحكيم كوسيلة بديلة لفض
النزاع القائم او المحتمل قيامه .
وفي هذا الصدد ذهب قرار محكمة النقض (المجلس
الأعلى سابقا) عدد 291 الصادر بغرفتين بتاريخ 07/03/2007 ملف تجاري عدد
19/3/1/2004 اعتبر ان الفاكس الذي توصلت
به الشركة المغربية من الشركة الامريكية وقبل نشوء أي خلاف على مضمون الصفقة ،ودون
ان ترفض مضمون الفاكس الذي يدعو الى عرض أي نزاع محتمل على التحكيم ،اعتبره
بمثابة القبول الضمني على اللجوء
الى التحكيم وجاء في القرار (أما الفصل 25 من ق.ل .ع فهو ينص على أن السكوت عن الرد يعتبر بمثابة القبول إن تعلق الايجاب بمعاملة
سابقة بدأت فعلا بين الطرفين كما في نازلة الحال ، و أنه من خلال كل ذلك يتجلى أن المنازعة في وجود اتفاق على التحكيم تبقى غير مرتكزة على أساس و يلزم ردها.)
هذا فيما يخص صور اتفاق التحكيمحسب
الاتفاقيات الدولية ، فماذا عن شروطه ؟
المطلب الثاني: شروط
قيام اتفاق التحكيم
ان اتفاق التحكيم ،سواء كان شرطا في عقد او كان أو عقدا مستقلا ،يعتبر تصرفا قانونيا
اراديا ،وعقدا حقيقيا تتوفر
فيه كافة الأركان
اللازمة في سائر العقود التي ينظمها القانون المدني ، فلابد من توافر ارادة طرافه بايجاب و قبول
متطابقين، جوهرها الاتفاق على احالة نزاعاتهم الحالية أو المستقبلية لتسويتها بطريق التحكيم وتنازلهم عن حق اللجوء الى
القضاء الرسمي، ويكون اتفاقا ملزما لاطرافه تطبيقا لمبدا العقد شريعة المتعاقدين
يمكن لكل طرف من المتعاقدين الزام الطرف الاخر على الخضوع لمضمونه .
ان
مراجعة جميع التعريفات التي أعطيت لاتفاق التحكيم ،بجميع صوره واشكاله القانونية
،سواء في الاتفاقيات الدولية او القوانين الوضعية نجدها تعرفه بانه (اتفاق).
ومعلوم ان الاتفاقات تعتبر من اهم أسباب الالتزامات التي تنشا بين الأطراف ،وفي
ذلك ينص الفصل الأول من قانون الالتزامات والعقود على انه ( تنشا الالتزامات عن
الاتفاقات والتصريحات الأخرى المعبرة عن الإرادة ،وعن اشباه العقود وعن
الجرائم واشباه الجرائم ) أي تنشا
الالتزامات حسب الفقه عن خمسة مصادر وهي العقد ،الإرادة المنفردة ،العمل غير
المشروع ،والاثراء بلا سبب ،والقانون .
وما دام اتفاق التحكيم هو عقد رضائي فانه تترتب عنه التزامات على عاتق طرفيه ، ونتيجة
لذلك يمكننا ان نتساءل عن شروط صحة هذا
الاتفاق ،وشكلياته حتى يكون ملزما لطرفيه .
وعليه، سنعمل على دراسة الشروط الواجب توافرها في اتفاق التحكيم لقيامه
صحيحا منتجا لآثاره، والتي يمكن تصنفيها إلى نوعين من الشروط : شروط موضوعية وأخرى شكلية،
الفقرة الأولى :
الشروط الموضوعية لاتفاق التحكيم
يتطلب لصحة اتفاق التحكيم، في اية صورة كان ،
أن تتوافر فيه الشروط اللازمة لصحة أي عقد بصفة عامة، والتي يحددها الفصل الثاني
من قانون الالتزامات والعقود الذي ينص على ان(الأركان[14] اللازمة لصحة الالتزامات الناشئة عن التعبير عن
الإرادة هي:
1 - الأهلية
للالتزام؛
2 - تعبير
صحيح عن الإرادة يقع على العناصر الأساسية للالتزام؛
3 - شيء
محقق يصلح لأن يكون محلا للالتزام؛
4 - سبب
مشروع للالتزام.
، والتي سنحاول عرض اهم مضامينها .
1ـ الأهلية
في إبرام اتفاق التحكيم
لقد تعرض الفصل الثالث وما يليه من قانون الالتزامات والعقود الى مفهوم الاهلية
،ويمكن تعريفها بانها قابلية الشخص لان يكون اهلا لتحمل الحقوق اوالالتزامات ،وان
يمارس بنفسه هذه الحقوق ،وان ينفذ بنفسه هذه الالتزامات .وينصرف اصطلاح الاهلية في
ابرام اتفاق التحكيم باعتباره تصرف قانوني على وجه يعتد به شرعا الى أهلية الأداء
، وهذه الاهلية قد تكون كاملة او ناقصة او معدومة ،فاذا كانت كاملة صح الاتفاق
التحكيمي ،واذا كانت ناقصة كان الاتفاق التحكيمي قابلا للابطال، واذا كانت معدومة
كان الاتفاق باطلا.
وبرجوعنا الى الاتفاقيات الدولية التي عرفت
اتفاق التحكيم لم نعثر على اية اتفاقية تعرف شروط قيام العقد من حيث وجوب توافر
أهلية الالزام والالتزام في طرفي العقد . وانما اكتفت بتعريف اتفاق التحكيم بانه
العقد المبرم بين طرفي علاقة قانونية محددة ،ومعلوم ان العلاقة القانونية المحددة
لا يمكن تصورها صحيحة منتجة لاثارها الا بتوافر أهلية الوجوب والأداء في طرفي
التصرف القانوني .
كما نجد الفقرة الثانية من الفصل 5 من اتفاقية
نيويورك قد نصت على انه لا يجوز رفض الاعتراف بالقرارات التحكيمية الا اذا قَدم الطرف المحتج ضده بهذا القرار
،الى السلطة المختصة ما يثبت ان طرفي الاتفاق التحكيمي ،كانا في حالة من حالات
انعدام الاهلية ،بمقتضى القانون المنطبق عليهما . وهذا ما يدل على ان أهلية طرفي
الاتفاق التحكيمي تعتبر شرطا لازما لقيام
هذا العقد بموجب هذه الاتفاقية .
وقد ذهب جانب من الفقه إلى ان نطاق تطبيق اتفاقية نيويورك يتسع ليشمل اتفاقات التحكيم التي تكون الأشخاص العامة
طرفا فيها معتبرين ان هذه الأشخاص لها الاهلية القانونية في ابرام اتفاقات
التحكيم مستندين في ذلك إلى الفقرة الأولى من المادة الخامسة والتي حددت مجال تطبيق الاتفاقية
» ... بالأحكام الصادرة في منازعات ناشئة عن علاقات بين أشخاص طبيعية أو أشخاص معنوية «وقد جاء اصطلاح الأشخاص المعنوية مطلقا من كل قيد.[15]
وبرجوعنا الى المشرع المغربي نجده قد
نص على ضرورة توافر الأهلية في طرفي
الاتفاق التحكيمي ، إذ جاء في الفقرة الأولى من
المادة 308 من قانون المسطرة المدنية على أنه : " يجوز لجميع
الأشخاص من ذوي الأهلية الكاملة سواء كانوا طبيعيين أو معنويين، أن يبرموا
اتفاق تحكيم في الحقوق التي يملكون حرية التصرف فيها ضمن الحدود ووفق الإجراءات
والمساطر المنصوص عليها..."
فالفصل المدكور قد نص على انه يحق لكل شخص يتمتع بالاهلية الكاملة ان
يبرم اتفاق التحكيم.
وقد نص الفصل 3 من ق ل ع على ان الاهلية المدنية للفرد تخضع لقانون
احواله الشخصية ،وكل شخص اهل للالزام والالتزام ما لم يصرح قانون احواله الشخصية
بغير ذلك .
وبذلك فاذا كنا امام منازعة في مدى توافر أهلية الأداء لدى احد
المتعاقدين الأجنبي عن المغرب فانه يتم اعتماد قانون الاحوال الشخصية لبلده لتحديد
سن الرشد المدني ،الذي بموجبه يصبح المتعاقد مكلفا بتحمل الالتزامات واجراء التصرفات القانونية .ولا يعتبر ناقصا للاهلية لعارض من
عوارض الاهلية كالجنون والعته او السفه
والغفلة .
كما يتعين الإشارة الى ان المشرع المغربي ،
عندما سمح لكل الأشخاص، سواء كانوا ذاتيين أو معنويين، أن يبرموا اتفاق التحكيم في
الحقوق التي يملكون حرية التصرف فيها، فانه لم يميز بين أشخاص القانون العام
وأشخاص القانون الخاص، مما يفيد أن المشرع المغربي من خلال القانون رقم: 05ـ08
المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، قد سمح لاشخاص القانون العام بابرام اتفاقات
التحكيم ونص في المادة 310 على انه (يمكن أن تكون النزاعات المتعلقة بالعقود التي تبرمها الدولة أو
الجماعات المحلية محل اتفاق تحكيم في دائرة التقيد بالمقتضيات الخاصة بالمراقبة أو
الوصاية المنصوص عليهما في النصوص التشريعية أو التنظيمية الجاري بها العمل فيما
يخص العقود المعنية.) ، إلا أنه قد
قيد هذا اللجوء الى ابرام اتفاقات التحكيم من طرف اشخاص القانون العام وذلك بتنصيصه على منع التحكيم في النزاعات المتعلقة بالتصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات المحلية أو
غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية .
وتجب الإشارة الى ان أهلية الشخص المعنوي في ابرام اتفاق التحكيم لا تكون
قائمة الا اذا ابرم الاتفاق من طرف الممثل القانوني للشخص المعنوي الذي له صلاحية
قانونية بإنجاز الاتفاق المذكور .
02- التراضي في اتفاق التحكيم.
التراضي باعتباره ركن من أركان اتفاق التحكيم، لا تقوم لهذا الاخير قائمة بدونه، ومفاده أن تتجه إرادة
الأطراف المتطابقة في اللجوء إلى التحكيم كبديل لقضاء الدولة[16].
ويقصد بذلك ضرورة توافر التعبير الصحيح والسليم عن الإرادة الواقع على العناصر
الأساسية للالتزام .
ويكون التراضي متحققا بالنسبة لاتفاق
التحكيم، بتوافر إرادة لدى المتعاقدين فلا يجوز ان تصدر الإرادة عمن فقد التمييز
لصغر سن او جنون او عته .ويجب ان تتجه هذه الإرادة الى احداث اثر قانوني ، وهو في
اتفاق التحكيم اسناد الاختصاص لفض النزاعات القائمة او المحتمل قيامها الى جهة استثنائية
غير الجهة العادية المعروفة والاصلية المختصة في فض النزاعات وهي القضاء،وانما يتم
الاتفاق الى إحالة النزاع على محكم او محكمين للفصل فيه .
كما ان التعبير عن الإرادة من اجل الاتفاق
على التحكيم يمكن ان يكون صريحا(كتضمينه في كتاب رسمي او عرفي ..) او ضمنيا
(كان يتلقى المتعاقد إيجابا بعرض النزاع القائم او المحتمل قيامه على التحكيم وان
يكون ذلك الايجاب استمرارا لمعاملة سابقة : الفصل 25 من ق ل ع ).
كما يجب ان يكون خال من أي عيب من عيوب
الإرادة كالغلط الجوهري ، والتدليس بثبوت
استعمال الحيلة والخداع بهدف ايهام المتعاقد بغير الحقيقية، والاكراه عن طريق الضغط المادي او الادبي .
و من خلال هذه الإرادة السليمة يحدد الاطراف شروط سير التحكيم و اجراءاته ، و القانون الذي سوف يطبقه المحكمون
وكل ما يتعلق بتعيين المحكمين ، و لغة سير التحكيم الى غير ذلك من الاجراءات...
ويعتبر التراضي في اتفاق التحكيم متوفرا بقبول
مبدأ التحكيم ذاته كموضوع للعقد، واثبات التراضي على ذلك كتابة إضافة إلى توقيع
عقد التحكيم من الأطراف[17].
3 ـ محل اتفاق التحكيم:
محل الاتفاق هو موضوعه، وبذلك
يكون محل اتفاق التحكيم تلك المنازعة التي يراد حسمها عن طريق التحكيم، والتي يجب
أن تقبل التسوية بواسطته، والذي يرتبط وجوده بوجودها. غير أن المنازعة التي تكون
محلا لاتفاق التحكيم، قد توجد مستقبلا في شرط التحكيم، وقد تكون موجودة حالا في
عقد التحكيم، الذي يتم إبرامه بسبب نزاع قائم بالفعل.[18]
وفي هذا نصت المادة السابعة من اتفاقية الاونيسترال على ان ( اتفاق التحكيم" هو اتفاق بين الطرفين
على أن يُحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض النـزاعات التي نشأت أو قد تنشأ
بينهما ..)
ويلاحظ من هذا التعريف ان محل اتفاق التحكيم يختلف عن محل
العقد الأصلي الذي نشا عنه نزاع او من المحتمل ان ينشا عنه نزاع .
فاذا كان محل اتفاق التحكيم هو التزام الطرفين بإحالة النزاع
على التحكيم ، فان محل العقد الأصلي هو المعاملة التجارية التي جمعت بين طرفيه
،وبذلك فان الفقه والقانون قد اجمع على استقلالية اتفاق التحكيم عن العقد
الأصلي .
ومن الشروط المنصوص عليها في
قانون الالتزامات والعقود بالنسبة لمحل الالتزام ،هو ان يكون شيئا محققا و يصلح ان يكون محلا للالتزام .
ومادام محل اتفاق التحكيم هو اتفاق الطرفين على إحالة
النزاع على التحكيم ،فانه يتعين ان يكون هذا النزاع مما يصلح ان يكون محلا
للعقد .
و الشروط العامة المتطلبة في محل الالتزامات التعاقدية بوجه عام،
والواردة في المواد من 57 إلى 61 من قانون الالتزامات والعقود، تقضي بوجوب أن يكون محل اتفاق التحكيم، معينا أو قابلا
للتعيين، وان يكون ممكنا ، وأن يكون التعامل بشانه لا يحرمه صراحة القانون .
اذن فالنزاع الذي يراد حسمه بواسطة التحكيم والذي يعتبر محلا لاتفاق
التحكيم يجب ان يكون معينا أي ان يتم تحديد نوع النزاع بدقة ويحصل ذلك في عقد
التحكيم ،كما يمكن ان يكون النزاع قابلا للتعيين مستقبلا كما في شرط التحكيم ، كما
ان النزاع فهو بطبيعته ممكن الوقوع ولا
يعتبر مستحيلا . وفي الأخير يجب ان يكون النزاع الحاصل بين طرفي اتفاق التحكيم
منصب على موضوع لا يحرم القانون التعامل بشانه .
ومن الأمور التي لا يصلح ان يكون النزاع بشانها موضوع تحكيم بموجب
القانون هي التي تمت الإشارة اليها في الفصلين 309 و310 من قانون المسطرة المدنية
بحيث ينص الفصل 309 على انه (" مع مراعاة مقتضيات الفصل 308 أعلاه، لا يجوز أن يبرم اتفاق التحكيم
بشأن تسوية النزاعات التي تهم حالة الأشخاص وأهليتهم أو الحقوق الشخصية التي لا
تكون موضوع تجارة".
وأضاف من خلال المادة 310 من نفس القانون على أنه:
" لا يجوز أن تكون محل تحكيم النزاعات الأحادية للدولة أو الجماعات
المحلية أو غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية.
غير أن النزاعات المالية الناتجة عنها، يمكن أن تكون محل عقد تحكيم ما
عدا المتعلقة بتطبيق قانون جبائي ".
وبذلك يتضح ان من شروط محل اتفاق التحكيم ان ينصب على نزاع مالي في إطار القانون الخاص
بين طرفي العلاقة القانونية، والذي يفترض فيه أنه يقبل الصلح. أما إذا كان لا
يقبله، فقد اتفقت جل التشريعات بما في ذلك التشريع المغربي على عدم جواز التحكيم
بشأنه. وهذه المسالة تعتبر من النظام العام، يترتب على عدم مراعاتها في اتفاق
التحكيم بطلانه[19].
فالمسائل
التي تخرج عن نطاق اتفاق التحكيم، هي نفس المسائل التي تخرج بدورها عن نطاق الصلح،
فبالرجوع إلى مقتضيات الفصل 1100 من قانون الالتزامات والعقود المغربي، نجده ينص على أنه: " لا
يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام أو بالحقوق
الشخصية الأخرى الخارجة عن دائرة التعامل ولكنه يسوغ الصلح على المنافع المالية
التي تترتب على مسألة تتعلق بالحالة الشخصية
أو على المنافع التي تنشأ عن الجريمة".
وعموما يمكن
القول بان الاتفاقيات الدولية المنظمة لاتفاق التحكيم تُخرج من نطاق سريانها مثل
هذه النزاعات المتعلقة بالأحول الشخصية للفرد والمسائل التي تمس بالنظام العام
للدول ،لانها تحدد مجال تطبيقها في النزاعات التجارية الدولية وهكذا نجد الفصل
الأول من اتفاقية الاونيسترال تنص على انه (ينطبق هذا القانون على التحكيم التجاري [20]
الدولي، مع مراعاة أي اتفاق نافذ مبرم بين هذه الدولة وأية دولة أو دول أخرى)
فمسائل الأحوال الشخصية، لا تصلح لأن تكون
محلا لاتفاق التحكيم، لاتصالها بوضع الشخص ومركزه داخل الأسرة، بحيث لا يجوز مثلا
التحكيم في مسالة تتعلق بمدى شرعية الولد أم لا، وبما إذا كان الشخص وارثا أو غير
وارث، في حين أنه يجوز التحكيم في المسائل والمصالح المالية التي تترتب
عليها.
4 ـ السـبب في اتفاق التحكيم:
الركن الرابع والأخير الذي اشترطه المشرع
المغربي لصحة الالتزامات الناشئة عن التعبير عن الإرادة هو ان يكون للالتزام سبب
مشروع .
ويمكن ان يعرف السبب بانه الغرض الذي يقصده
الملتزم من وراء التزامه ،ولذلك يقال انه
اذا كان محل الالتزام هو الإجابة على السؤال بماذا التزم المدين ،فالسبب هو
الإجابة على السؤال لماذا التزم المدين .[21]
وقد نظم المشرع المغربي ركن السبب في المواد من 62 إلى 65 من قانون
الالتزامات والعقود، والتي تناول من خلالها أحكام السبب في القانون المغربي.
إذ اشترط المشرع لصحة أي اتفاق بصفة عامة، ضرورة وجود السبب، وأن يكون هذا السبب
مشروعا غير مخالف للنظام العام والآداب العامة، إلا أنه في حالة عدم ذكره، افترض
المشرع أن لكل اتفاق سببا حقيقيا ومشروعا.
واتفاق
التحكيم كغيره من الاتفاقات، يجب أن يتضمن ركن السبب وفق نفس الشروط التي حددها
المشرع المغربي و في هذا الإطار أكدت مقتضيات المادة 308 من قانون
المسطرة المدنية على انه عند ابرام اتفاق التحكيم يجب التقيد بمقتضيات
الظهير بمثابة قانون الالتزامات والعقود، كما وقع تغييره وتتميمه ولا سيما الفصل
62 منه.
و السبب في اتفاقات التحكيم، هو اتجاه إرادة الأطراف إلى استبعاد طرح
النزاع على القضاء، وتفويض الأمر بذلك إلى المحكمين، والسبب على هذا النحو يعتبر
مشروعا دائما.
الفقرة الثانية :
الشروط الشكلية لاتفاق التحكيم .
كما تمت الإشارة الى ذلك سابقا فان اتفاق
التحكيم قد يتخد صورا واشكالا مختلفة ،فهو اما ان يكون عبارة عن بند او شرط في عقد
،وقد يكون مضمنا في عقد مستقل وموقع من قبل طرفيه ،وقد يكون في شكل إحالة مضمنة
بالعقد الأصلي الى عقد او بند في عقد اخر يحتوي على الاتفاق على إحالة النزاعات
المستقبلية على التحكيم. فاذا حصل أي شكل من اشكال الاتفاق على التحكيم قبل نشوب أي نزاع بين طرفي العلاقة الاصلية
فيسمى شرط تحكيم .اما اذا تم الاتفاق بين طرفي العلاقة الاصلية على إحالة
نزاع قائم بينهما على التحكيم ،اما بموجب اتفاق مستقل موقع من طرفهما او بموجب
مراسلات بينهما فان ذلك يسمى عقد التحكيم.
واتفاق التحكيم سواء ابرم قبل نشوء النزاع او
بعده فانه يتعين ان يتوفر فيه شرط استلزمه
المشرع لقيام اتفاق التحكيم صحيحا منتجا
لآثاره، وهو شرط الكتابة.
إذ لابد أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا،
فالاتفاق الشفوي لا يعتد به في هذا الصدد. وهذا ما استقرت عليه جل التشريعات
الوطنية إلى جانب الاتفاقيات الدولية التي تناولت موضوع التحكيم الدولي .
وفي هذا الصدد نصت المادة 07 في فقرتها الثانية من القانون النمودجي للتحكيم التجاري الدولي الاونيسترال
على انه يتعين ان يكون اتفاق التحكيم مكتوبا ونصت في باقي فقراتها
على شكل الكتابة وصورها فنصت على ما يلي:
. 3- يكون اتفاق التحكيم مكتوبا إذا كان
محتواه مدوّنا في أي شكل، سواء أكان أم لم يكن اتفاق التحكيم أو العقد قد أُبرم
شفويا أو بالتصرف أو بوسيلة أخرى.
4- يستوفى اشتراط أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا بواسطة
خطاب إلكتروني إذا كانت المعلومات الواردة فيه متاحة بحيث يمكن الرجوع إليها
لاحقا؛ ويقصد بتعبير "الخطاب الإلكتروني" أي خطاب يوجّهه الطرف بواسطة
رسالة بيانات؛ ويقصد بتعبير "رسالة البيانات" المعلومات المنشأة أو
المرسلة أو المتلقاة أو المخزنة بوسائل إلكترونية أو مغنطيسية أو بصرية أو بوسائل
مشابهة تشمل، على سبيل المثال لا الحصر، التبادل الإلكتروني للبيانات والبريد
الإلكتروني والبرق والتلكس والنسخ البرقي.
5- علاوة على ذلك، يكون اتفاق التحكيم مكتوبا إذا كان
واردا في تبادل لبياني ادعاء ودفاع يزعم فيهما أحد الطرفين وجود اتفاق ولا
ينكره الطرف الآخر.
6- تشكّل الإشارة في العقد إلى أي مستند يتضمن بندا
تحكيميا اتفاق تحكيم مكتوبا، شريطة أن تكون الإشارة على نحو يجعل ذلك البند جزءا
من العقد.
كما ان اتفاقية نيويورك المتعلقة بتنفيذ احكام المحكمين لعام 1985 تتطلب
حتى يكون اتفاق التحكيم صحيحا ضرورة ان يكون مكتوبا ،وذلك في الفقرة الأولى من
المادة الثانية .كما انها عرفت الاتفاق المكتوب في الفقرة الثانية بانه (يشمل
اصطلاح (اتفاق التحكيم) أي شرط تحكيم يرد
في عقد او أي اتفاق تحكيم موقع عليه من الطرفين او وارد في وسائل او برقيات
متبادلة )
كما ان اتفاقية
جنيف المتعلقة بالتحكيم التجاري
الدولي لسنة 1961 ،وبالرغم من كونها لم
تتضمن صراحة ضرورة ان يكون اتفاق التحكيم مكتوبا ،فانها تفترض الكتابة كشرط لاتفاق
التحكيم في الفقرة الأولى من المادة الثانية والتي تنص على انه (وفي العلاقات ما بين البلدان التي لا تفرض الشكل الكتابي
بهذا الصدد تعتبر اتفاقية تحكيم أية اتفاقية معقودة ضمن الأشكال المفروضة بموجب
تلك القوانين.)
كما ان قانون المسطرة
المدنية المغربي وكغيره من
القوانين الوطنية الأخرى قد نص من خلال الفصل 313 على أنه: " يجب أن
يبرم اتفاق التحكيم كتابة، إما بعقد رسمي أو عرفي وإما بمحضر يحرر أمام الهيئة
التحكيمية المختارة..".
وبناء على ذلك
يتبين من خلال عرض النصوص المتقدمة في القوانين الدولية والقانون المغربي الذي
يساير القوانين الوطنية الأخرى ان الكتابة شرط يتطلبه اتفاق التحكيم ،وبالتالي تعتبر الكتابة
حسب بعض الفقه شرطا شكليا لازما لوجود
اتفاق التحكيم في ذاته ،وهي لازمة ليس فقط لاثبات وجود الاتفاق على التحكيم وانما
أيضا لانعقاده وصحته [22]
ويرجع سبب اشتراط الكتابة لوجود اتفاق التحكيم ،الى حرص
التشريعات والقوانين والاتفاقيات الدولية على تجنب المنازعات الفرعية حول وجود
الاتفاق وحول مضمونه ،خاصة وان هذا الاتفاق يترتب عليه اثر هام وهي رفع يد القضاء
عن الفصل في النزاع [23]
ولتحديد طبيعة الكتابة التي يشترط توفرها في
اتفاقات التحكيم يستلزم منا الامر بداية تحديد الشكل الذي استلزمه القانون في هذا
الشرط، قبل أن نتطرق بعد ذلك إلى تحديد طبيعته وفق الشكل التالي:
1 ـ الشكل الكتابي المتطلب قانونا:
سبقت الإشارة إلى أن المشرع
المغربي، عمل من خلال مقتضيات المادة 313 من قانون المسطرة المدنية على
تحديد الشكل الكتابي المتطلب قانونا لإبرام اتفاق التحكيم، فهو إما أن يأخذ شكل عقد رسمي أو عقد عرفي، وإما أن يرد في محضر يحرر أمام الهيئة
التحكيمية المختارة.
فالعقد الرسمي هو
الذي عرفه الفصل 418 من ق ل ع الذي جاء فيه ان(الورقة الرسمية هي التي
يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد ، وذلك
في الشكل الذي يحدده القانون . وتكون رسمية أيضا
:
1-
الأوراق المخاطب عليها من القضاة
في محاكمهم .
2-
الأحكام الصادرة عن المحاكم
المغربية والأجنبية ، بمعنى أن هذه الأحكام يمكنها حتى قبل صيرورتها واجبة
التنفيذ أن تكون حجة على الوقائع التي تثبتها)
وبذلك تكون رسمية جميع العقود التي
يحررها الموثقون العصريون والعدول والمحامون وكذلك جميع الاتفاقات التي يخاطب
عليها القضاة .
اما الورقة العرفية فقد عرفها الفصل 424 من ق ل ع وبين حجيتها بقوله (الورقة
العرفية المعترف بها ممن يقع التمسك بها ضده أو المعتبرة قانونا في حكم المعترف
بها منه، يكون لها نفس قوة الدليل التي للورقة الرسمية في مواجهة كافة الأشخاص على
التعهدات والبيانات التي تتضمنها ....)
ويجب ان يكون العقد العرفي موقع من طرفي العقد ،ويمكن ان يحرر بخط يد
المتعاقدين او بخد يد الغير كما يمكن ان يكون مسجلا بمكتب تصحيح الامضاءات من قبل موظف رسمي او غير مسجل
.
اما الشكل الثالث للكتابة الذي اوجبه المشرع المغربي فهو اتفاق طرفي الخصومة امام المحكم او المحكمين الذي تم اختيارهم من
قبلهما ،وقيام الهيئة التحكيمية بتحرير محضر بهذا الاتفاق يكون موقعا من قبل طرفي
النزاع على موافقتهما على عرض خصومتهما على الهيئة التحكيمية بدلا من اللجوء الى
القضاء .
ويلاحظ ان المشرع المغربي قد
توسع في مفهوم الكتابة، ونص من خلال
مقتضيات الفقرة 2 من المادة 313 من نفس القانون، على أنه: " يعتبر اتفاق
التحكيم مبرما كتابة إذا ورد في وثيقة موقعة من الأطراف، أو في رسائل متبادلة
أو اتصال بالتلكس أو برقيات أو أية وسيلة أخرى من وسائل الاتصال، والتي تعد بمثابة
الاتفاق تثبت وجوده أو حتى بتبادل مذكرات الطلب أو الدفاع التي يدعي فيها أحد
الطرفين بوجود اتفاق تحكيم دون أن ينازعه الطرف الآخر في ذلك".
وبالتالي، يمكن أن يرد اتفاق التحكيم في شكل رسائل متبادلة أو اتصال بالتلكس أو برقيات أو
أية وسيلة أخرى من وسائل الاتصال. كما ان اتفاق التحكيم يعتبر مكتوبا اذا كان هناك
نزاع معروض على القضاء وادعى احد طرفي النزاع ان هناك اتفاق للتحكيم بين الطرفين
ولم يعارضه الطرف الاخر ،فانه في هذه الحالة يتعين على المحكمة ان تشهد على وجود
اتفاق التحكيم بين الطرفين وان تصرح بعدم قبول الدعوى .
اذن المشرع المغربي اعتبر جميع الوثائق المتبادلة باية وسيلة من وسائل
الاتصال لها نفس القوة الثبوتية للوثيقة المحررة على الورق شريطة ان يكون مصدرها
معروف ،وان تكون مختومة بتوقيع الكتروني (الفصل 417 من ق ل ع )
2 ـ طبيعة الكتابة :
إذا كان الاتفاق على التحكيم، شرطا كان أو عقدا، يعتبر تصرفا من
التصرفات التي تنعقد بإرادتين، فانه يلزم لوجود هذا الاتفاق، كما سبقت الإشارة إلى
ذلك، توافر أركانه وهي الرضا والأهلية والمحل والسبب، والى جانب هذه الشروط هناك
الشرط الشكلي المتعلق بالكتابة، الذي أوجبته جل التشريعات المنظمة للتحكيم.
غير أن التساؤل الذي يطرح
نفسه هنا يتعلق بطبيعة شرط الكتابة في اتفاق التحكيم، فهل تعتبر الكتابة شرطا لانعقاده
؟ أم مجرد وسيلة لإثباته؟
هناك خلاف فقهي وتباين في موقف القانون المقارن حول تكييف طبيعة
الكتابة ،بين من يرى بان الكتابة شرط لانعقاد اتفاق التحكيم ،وبين من يرى ان
الكتابة شرط لاثبات اتفاق التحكيم . وهناك راي ثالث يذهب الى عدم أهمية التفرقة
بين اعتبارها شرطا للانعقاد او شرطا للاثبات في الحياة العملية .
الاتجاه الأول :
يذهب جانب من الفقه الى ان الكتابة في التحكيم شرط للانعقاد وليست شرطا للاثبات
،لان الاتفاق على التحكيم هو عقد شكلي لاينعقد الا بالكتابة ،ويؤدي تخلف شرط
الكتابة الى بطلان اتفاق التحكيم .ولا يجوز اثبات انعقاده بالاقرار او اليمين او
شهادة الشهود [24]
.
الاتجاه الثاني :
يرى بان شرط الكتابة هو شرط للاثبات وليس للانعقاد ،وبالتالي يجوز اثبات اتفاق
التحكيم بالاقرار واليمين الحاسمة وشهادة
الشهود في بعض الأحوال ،ويمكن ان يرد الاتفاق شفويا ويستندون في ذلك الى اتفاقية
جنيف الأوروبية لسنة 1961 وبعض القوانين المقارنة التي تجعل اتفاق التحكيم شرط
اثبات [25]
الاتجاه الثالث :
يرى جانب من الفقه انه لا توجد اية أهمية لهذه التفرقة في الحياة العملية بالنسبة
للتحكيم ،اذ من النادر ان يكون هناك اتفاق تحكيم شفوي ويحاول المدعي اثباته بشهادة
الشهود مثلا .
وبالنسبة للتشريعات الوطنية نجد ان بعضها اعتبر الكتابة المتطلبة في اتفاق
التحكيم مجرد وسيلة للإثبات منها مثلا : المشرعين التونسي والسوري. إذ نص المشرع
التونسي من خلال مقتضيات الفقرة 1 المادة 6 من مجلة التحكيم التونسية عدد: 42
لسنة 1993 [26]،
على أنه: " لا تثبت اتفاقية التحكيم إلا بكتب سواء كان رسميا أو خط يد
أو محضر جلسة أو محضرا محررا لدى هيئة التحكيم التي وقع اختيارها".
فالكتابة اعتبرها المشرع التونسي وسيلة لإثبات
اتفاق التحكيم وليست شرطا من شروط انعقاده، سواء أكانت الكتابة بمقتضى محرر رسمي
أو عرفي.
كما نص المشرع السوري من خلال مقتضيات
المادة 509 من قانون التحكيم السوري المستخرج من قانون أصول المحاكمات المدنية[27]،
على أنه: " لا يثبت التحكيم إلا بالكتابة".
في حين أن هناك أنظمة قانونية أخرى، تشترط
الكتابة كشرط انعقاد وليس كشرط للإثبات، من بينها المشرع المغربي والمصري
والفرنسي.
فبالنسبة
للمشرع المغربي، نجد أنه اعتبر كتابة اتفاق التحكيم شرط انعقاد، ونص صراحة في الفصل 317 من ق م م على انه يجب، تحت طائلة البطلان : - أن يضمن شرط
التحكيم كتابة في الاتفاق الأصلي أو في وثيقة تحيل إليه، بشكل لا لبس فيه؛
كما نص في الفصل 315 من نفس القانون على انه يجب أن يتضمن عقد التحكيم تحت طائلة البطلان:
1-
تحديد موضوع النزاع؛
2- تعيين الهيئة التحكيمية أو التنصيص على طريقة
تعيينها.
ويجب التنبيه من
خلال الفصلين المذكورين ان المشرع المغربي اعتبر شرط التحكيم او عقد التحكيم غير
المكتوبين باطلين بطلانا مطلقا ،ومعلوم ان البطلان هو من الأمور المرتبطة بالنظام
العام ويمكن اثارتها تلقائيا من طرف المحكمة .
الا انه بالاطلاع
على النصوص المنظمة للتحكيم في قانون المسطرة المدنية وخاصة الفصل 313 منه يتبين
لنا ان المشرع المغربي قد اقتبس الفصل المدكور من الفصل السابع من اتفاقية القانون النموذجي للتحكيم التجاري
الدولي (الاونيسترال) ،واعتبر الاتفاق التحكيمي قد ابرم كتابة بتبادل مذكرات الطلب
أو الدفاع التي يدعي فيها أحد الطرفين بوجود اتفاق تحكيم دون أن ينازعه الطرف
الآخر في ذلك.
ولنا ان نتساءل
متى نكون امام هذه الحالة التي يتم فيها تبادل المدكرات الدفاعية بين طرفي الخصومة
ويدعي احدهما ان هناك اتفاقا للتحكيم بين الطرفين ولا ينازعه الطرف الاخر في
ادعائه.؟
ان الحالة الوحيدة
التي يمكن ان نتصورها عمليا هي الحالة التي تنشا خصومة بين طرفي عقد تجاري ،فيلجا
الطرفان الى القضاء العادي للبت في النزاع ، واثناء سير الدعوى يثير احد الطرفين
دفعا شكليا قبل أي دفع في الجوهر بوجود اتفاق للتحكيم سابق على رفع النزاع امام
المحكمة ولا يعارض في ذلك الطرف الاخر ،ففي هذه الحالة وحسب الفصل 313 أعلاه يجب
على المحكمة ان تعتبر ان اتفاق التحكيم قد ابرم كتابة بين الطرفين ويجب عليها ان
تصرح بعدم قبول الدعوى ما لم يكن بطلان
اتفاق التحكيم واضحا. (الفصل 427 من ق م
م)
من خلال قراءة هذه
الفصول يتضح لنا ان المشرع المغربي قد جعل من الكتابة شرطا للانعقاد في الفصلين
315 و317 ورتب على تخلف الكتابة البطلان الذي يعتبر من النظام العام وتصرح به
المحكمة تلقائيا .بينما نجده في الفصل 313 قد اعتبر مجرد ادعاء احد الطرفين بوجود
اتفاق للتحكيم وسكوت الطرف الاخر بمثابة
الاتفاق المكتوب على التحكيم ولو لم يكن هناك أي عقد مكتوب بينهما بالمفهوم المادي
للكتابة .
وفي
هذا الصدد ذهب المجلس الاعلى في احدى قراراته
الى انه (لا يمكن اللجوء للتحكيم إلا إذا كان هناك شرط تحكيمي أو اتفاق على التحكيم حرر بشكل معبر عن إرادة الطرفين،من خلال عقد مكتوب أو خطابات متبادلة كما يقضي بذلك الفصلان 307 و 309 من ق.م.م و المادة الثانية من اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف بالمقررات التحكيمية و تنفيذها )[28]
واذا
ما ثبت لنا ان الكتابة تعتبر شرطا لازما لانعقاد اتفاق التحكيم فلنا ان نتساءل ما
هي العناصر الجوهرية التي يجب ان يتضمنها اتفاق التحكيم ؟
3-
مضمون اتفاق التحكيم:
ان اتفاق التحكيم الذي يجب ان يفرغ في شكل قانوني
معين ويجب ان يكون مكتوبا، قد نص المشرع المغربي على ان هذه الكتابة يجب ان تنصب
على أمور محددة لا ينهض اتفاق التحكيم صحيحا الا بتضمينها في الاتفاق
المتضمن لارادة الأطراف باللجوء الى التحكيم
.
وهكذا نجد الفصل 315 من ق م م عند تحديده لمضمون عقد التحكيم نص على انه
يجب أن يتضمن عقد التحكيم تحت طائلة البطلان:
1- تحديد موضوع النزاع؛
2- تعيين
الهيئة التحكيمية أو التنصيص على طريقة تعيينها.
ونص في الفصل 317 على انه يجب، تحت طائلة البطلان :
- أن ينص
في شرط التحكيم إما على تعيين المحكم أو المحكمين وإما على طريقة تعيينهم.
اذن من خلال الفصلين المذكورين يتبن لنا جليا انه سواء
تعلق الامر بشرط التحكيم او عقد التحكيم فانه يتعين على طرفيه ان يحددوا الهيئة
التحكيمية التي سوف يلجآن اليها او تحديد طريقة تعيينها ،وبالنسبة لعقد التحكيم
قد أضاف المشرع ضرورة تضمينه لموضوع النزاع الذي سوف تنظر فيه الهيئة التحكيمية
والذي يجب عليها ان لا تتجاوزه.
و يبقى للاطراف بشكل اختياري تحديد القانون و الاجراءات التي تعتمدها
الهيئة التحكيمية في حل النزاع ، كما ان لهم حرية الاتفاق على
مكان التحكيم و لغة التحكيم ...
فالبيانات الاختيارية يمكن في حالة عدم تعيينها ان تقوم الهيئة بتحديدها اما بناء على ظروف الأطراف
و ما يصب في مصلحتهم ، و اما بناء على قانون الدولة التي يجري فيها التحكيم .
واذا
ما قام اتفاق التحكيم سليما من حيث شروطه الموضوعية والشكلية فانه وباعتباره تصرفا
قانونيا لا بد ان يحدث اثارا قانونية أيضا وهذا ما سنتناوله في المبحث الثاني .
0 التعليقات: