Global Site Tag (gtag.js) - Google Analytics -->

الأحد، 1 مارس 2020

التهرب الضريبي اسبابه واثاره .

بحث تحت عنوان
        مخالفات الواجب الضريبي أسبابه  واثاره 

             

<مقدمة


 ان تحقيق أي تنمية اقتصادية واجتماعية كاملة، يتطلب اتخاذ سياسات تنموية محددة الأهداف مرسومة المعالم، تروم إعطاء دفعة قوية للاقتصاد الوطني، ويتطلب أخذ طريق التنمية في صورتها هذه، استحداث استثمارات ضخمة في مجال البنية التحتية التي تفتقر لها غالبية الدول النامية على جميع المستويات ،إلا أن خلق استثمارات عمومية على هذه المستويات يحتاج إلى أموال كافية قادرة على استيعاب كل الإكراهات. وليس بخاف ما للأموال العمومية من أهمية وتأثير على الواقع الاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي، فالمال يشكل عصب الحياة ، وتاريخه وطيد العلاقة بالتاريخ الاقتصادي والاجتماعي، وخصوصا التاريخ السياسي لمختلف الأمم الشعوب. غير أن الأموال العمومية تعاني ندرة في الإيرادات العمومية، التي أصبحت تتقلص يوما بعد يوم، وبالمقابل تتوسع الحاجيات للنفقات العمومية، التي تضطر معها الدولة إلى الاقتراض الخارجي أو الداخلي. وإذا كانت الأموال العمومية تعاني ندرة خانقة على مستوى الإيرادات العمومية، فإن الضرائب باختلاف أنواعها تعتبر المغذي الأساسي والرئيسي لخزينة الدولة، إذ نلاحظ أن الدخول الضريبية تمثل أكثر من نصف مجموع موارد الميزانية العامة، وهي تسعف بالتالي الحكومة في القيام بدورها المطلوب في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، وهو ما عظم دور الضريبة لتصبح من الموارد العامة الأساسية في الدولة الحديثة، نظرا لما تؤدي إليه من وضع نشاط الأفراد في خدمة المجتمع وصيرورة الدولة، مع تحري العدالة في فرضها وتحصيلها حتى لا يلحق ضرر على إثرها يؤدي إلى التأثير السلبي على الإنتاج القومي للدولة. فالضريبة فريضة جبرية يلتزم المكلف بأدائها للدولة تبعا لمقدرته بغض النظر عن الخدمات التي تقدمها له السلطات العامة، فهي وسيلة قانونية لتوزيع الأعباء العامة سنويا فيما بين الأفراد حسب طاقتهم، فهي ذلك المبلغ الذي تحصله الدولة بما لها من حق السيادة من دخول الأفراد ولا يقتصر أداء الضريبة على رعايا الدولة بل يشمل الأجانب سواء الموجودين بإقليمها أو غير المقيمين به، وذلك حسب ما يمتلكونه من أرباح منه. وامام تطور دور الدولة، من دولة حارسة إلى دولة متدخلة تطور معه دور الضريبة إذ لم تصبح مجرد أداة بيد الدولة لتمويل وتغطية التكاليف العمومية، بل أضحت وسيلة لتحقيق أهداف صبغة اقتصادية واجتماعية. وبهذا يمكن ان نقول أن للضريبة ثلاث وظائف أساسية تتجلى الأولى في تمويل خزينة الدولة والثانية في كونها وسيلة للتأثير على الأنشطة الاقتصادية، أما الثالثة فتظهر من خلال كونها أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية. وبقدر هذه الأهمية الكبيرة التي أصبحت للضريبة ،نجد في المقابل أهمية و خطورة الجرائم المالية بصفة عامة والجرائم الضريبية بصفة خاصة. وتكمن الأهمية البالغة لهذا الموضوع، في أن الجرائم الضريبية وعلى رأسها التهرب الضريبي، كلها تتصل بنطاق المال العام وتشجيع الاستثمار، فالموارد العامة للدولة تهم المجتمع وتعني كل فرد فيه على حد السواء، لأنها تجمع في شكل ضرائب ورسوم بقصد إنفاقها في وجوه الصرف العام وأداء الخدمة العامة، حيث أن هذه الجرائم تعرض كيان الدولة الاقتصادي للخطر[] هدا وتتصدر ظاهرة التهرب الضريبي رأس قائمة الجرائم الضريبية التي تشكل خطرا مباشرا على خزينة الدولة واقتصاد البلاد، باعتبار أن موارد الجبايات هي المصدر الأساسي الممول لبرامج التنمية. وظاهرة التهرب الضريبي في تزايد مستمر، باعتبار الضريبة تمثل عبئا إضافيا على أي ملزم بها، وبالتالي فهي التزام غير مرغوب فيه، خاصة في ظل غياب الوعي الضريبي الكافي بدورها وهدفها في أي مجتمع. ويتضح مما تقدم، أن التهرب الضريبي يؤثر بالسلب ليس فقط على الحصيلة الضريبية أو العدالة الضريبية أو توزيع الدخل، بل وكذلك على اقتصاد الدولة نفسها وقدرتها على الانتعاش الاقتصادي والتنمية الاقتصادية. ويعتبر مصطلح التهرب الضريبي من المصطلحات التي تحاشت التشريعات الضريبية توفير تعريف دقيق له واكتفت بذكر بعض صوره فقط، وحتى بالنسبة لبعض الآراء التي تعرضت لمفهوم التهرب الضريبي سواء في الفقه أو القضاء قد بدا فيها من التضارب والتعارض ،مما يعد دلالة على عدم وضوح المصطلح، ما يصبح معه لزاما تبسيط مفهوم التهرب الضريبي وبيان دلالاته وطبيعته، وذلك في إطار ربطه بموضوعه – الضريبة – . كما انه يتعين البحث عن مكامن هذه الافة واسبابها . هل هي اختلالات في المنظومة الضريبية بنفسها، على مستوى نصوصها القانونية : كغموضها و تعقيدها ؟ – أم هو ارتفاع للضغط الضريبي ؟ ليترجم إلى مقاومة ضريبية ؟ – أم غياب الشفافية في الإنفاق العام وتسيبه، أو بالأحرى تبذير الأموال العمومية، دونما رقابة فعالة ؟ – أم هي اختلالات تتعلق بتدبير الشأن الجبائي؟ على اعتبار أن الشأن الجبائي يتطلب أطر كفئة قادرة على الإبداع والتجديد والتحديث والتكيف حسب الظروف الاقتصادية والاجتماعية بكيفية مستمرة ودائمة. – أم أن الخلل يرجع إلى البنية السوسيواقتصادية ، سواء فيما يتعلق بالثقافة السائدة، ومدى تكريسها في الحياة اليومية لمكونات المجتمع ؟ - تأسيسا على هذه التساؤلات أو الإشكاليات الفرعية تبرز معالم الإشكالية المحورية والجوهرية لظاهرة التهرب الضريبي، التي سنحاول تناولها في هذا البحث من خلال مبحثين تناول في المبحث الأول مفهوم التهرب الضريبي وصوره واشكاله .على ان نتطرق في المبحث الثاني أسباب التهرب الضريبي واثاره المالية والاجتماعية والاقتصادية . >
<المبحث الأول : التهرب الضريبي وصوره واشكاله .
 إن المشرع المغربي لم يعرف معنى التهرب الضريبي او وضع له تحديدا معينا وانما ترك للفقه امر تعريفه وتصنيفه ،وتحديد مواصفات الأفعال التي تدخل ضمنه او التي لا تعتبر لذلك فقد نشات مجموعة من التعريف الفقهية المختلفة لمفهوم التملص من أداء لضريبة والوصف الممكن اطلاقه عليه ،ثم التطرق الى مجموعة من الحالات التي تم التنصيص عليها قانونا او لم يتم ذلك، والتي تعتبر نوعا من التملص من أداء الواجب الجبائي ،وحتى نتطرق الى الموضوع ارتاينا ان نتناول في المطلب الأول مفهوم التهرب الضريب على ان نتطرق في المطلب الثاني لاشكال وصور التهرب الضريبي .
 المطلب الأول: مفهوم التهرب والغش الضريبيين
من التعريفات “الأنيقة” للتهرب الضريبي هو أنه ” فن تحاشي السقوط في حقل جاذبية القانون الضريبي”[ ]، لكن هذا لا يمنع الوقوف على تعريفات دقيقة لظاهرة التهرب الضريبي بصفة عامة . إن التهرب الضريبي يمكن ان نطلق عليه لفظ الظاهرة ،وذلك لانه معروف في جميع دول العالم وبنسب مهمة تتفاوت من نظام جبائي الى اخر ، فهي ملازمة للنظام الضريبي وتعد إحدى المعوقات الأساسية للتنمية الاقتصادية والوفرة المالية، والتي تستوجب محاربتها بصفة مستمرة وبمجرد اكتشافها. تعتبر ظاهرة التهرب الضريبي من بين أصعب المواضيع التي تواجهها الإدارة الجبائية المغربية، نظرا لخطورتها واتساع نطاقها على مستوى كبير، وعموما نقصد بالتهرب الضريبي بمفهومه الواسع كل فعل من شأنه أن يضيع مداخيل هامة على خزينة الدولة، وهو بالتالي حسب الفقيه البلجيكي ماركيراز ” Margairaz” متوافر كلما تم اللجوء لطرق تتيح التملص من الضريبة سواء اقترن ذلك او لم يقترن بمخالفة نص جبائي[ ]، الفقرة الأولى : التهرب الضريبي ” L’évasion fisacale“ التهرب الضريبي هو العمل الذي يلجأ بموجبه الخاضع للضريبة إلى التملص من الضريبة دون أن يخالف القانون[ ]، وبذلك يبدو التهرب الضريبي منطويا على قصد التملص من ” تغذية الخزينة” عبر إقدام الممول على الحيلولة دون توفر الأساس الذي ترسى عليه الضريبة ( توافر الركن المعنوي) كما يبدو من جهة أخرى خال من أية عرقلة أو مخالفة للقانون الضريبي ( انتفاء الركن المادي). وهو سلوك سلبي يهدف ولو بكيفية غير مباشرة إلى تفويت مورد ضريبي هام على خزينة الدولة. والمكلف في إطار التهرب الضريبي رغم حسن نيته تتجه إرادته إلى العمل على تخفيف أعبائه الضريبية أو إسقاطها[ ]. وقد اختلف فقهاء القانون الجبائي حول وضع تعريف محدد للتهرب الضريبي، فهناك من يأخذ بمفهوم الضيق لظاهرة التهرب الضريبي الذي يقوم على أساس مخالفة النصوص الجبائية[ ]، في حين أن هذا الفعل يمكن أن يرتكب بدون مخالفة أو انحراف عن النص القانوني وبالتالي استعمال وسائل مشروعة وقانونية قصد التخلص من أداء الضريبة سواء كليا أو جزئيا، أما الاتجاه الموسع في تحديد مفهوم التهرب يرى أن فعل التهرب الضريبي يمكن أن تستعمل فيه وسائل احتيالية أو وسائل مشروعة [ ]. وفي هذا الإطار، فالبعض يرى أن الفرق بين الغش الضريبي ” la fraude fiscale” والتهرب الضريبي ” l’évasion fiscale” هو أن الأول يلجأ فيه المكلف إلى استعمال وسائل غير قانونية قصد التملص من الضريبة، أما الثاني فيرتكز على أساس استغلال غموض وثغراث النص القانوني أو استغلال الامتيازات التي يمنحها القانون الضريبي ]. ومن جهة أخرى تبنى مجلس الضرائب بفرنسا مفهوم التهرب الضريبي على أساس الاستفادة من ثغرات النصوص الجبائية المحلية من خلال الاعتماد على وسائل تعسفية غير معاقب عليها جنائيا ومدنيا، وتختلف حسب الأنظمة الجبائية لكل دولة[] . الفقرة الثانية: الغش الضريبي la fraude fiscale في الواقع، فإن التفرقة بين الغش الضريبي والتهرب الضريبي ليست بالعملية السهلة سواء على المستوى النظري او على المستوى التطبيقي، وإذا كان هذا الأخير – التهرب- هو طريقة وأداة للتخلص من الضريبة دونما خرق للقانون. فبالمقابل يعتبر الغش الضريبي خرقا ومخالفة مباشرة عمدية وقصدية للقانون الضريبي[ ]. فهو تهرب غير قانوني أو غير مشروع أو محاولة التهرب من إنشاء وتأسيس أو الأداء الكلي او الجزئي للضريبة. فالغش الضريبي هو إذن تصرف غير مشروع يمثل عدم احترام للقانون وهو عدم احترام إرادي ” لأنه انتهاك لروح القانون وإرادة المشرع”[ ]. والغش بذلك يفترض مخالفة مباشرة وبإرادة المكلف، للقواعد القانونية عن طريق استخدام طرق غير مشروعة. وقد اختلف علماء الاقتصاد في تحديد المعيار الذي يتم على ضوئه تمييز التهرب عن الغش الضريبي، ويمكن رد هذا الاختلاف إلى ثلاث اتجاهات رئيسية:
 أ‌- الاتجاه الأول: يمثله M.rosier وهو يعتبر أن فكرة التهرب الضريبي فكرة أعم وأشمل من فكرة الغش الضريبي، والغش حسب Rosier يعد حالة خاصة من حالات التهرب، وهي حالة التهرب من الضريبة عن طريق انتهاك القانون
. ب- الاتجاه الثاني : ويمثله كل من M.Letouge، M.A Piatier يركز على كون التهرب الضريبي ما هو إلا الشكل الدولي للغش الضريبي، فأصحاب هذا الاتجاه يرون أن هناك نوعين من الغش غش على الصعيد الداخلي intérieure” Fraude ” وغش على المستوى الدولي “Fraude internationale” وهذا الأخير هو الذي يمثل التهرب الضريبي. وبذلك فوفقا لهذا الاتجاه لا يوجد تهرب ضريبي داخلي ولا يوجد غش ضريبي دولي. وبناء عليه فالتهرب دائما ما يحتوي على عنصر دولي، أما الغش فلا يتعدى الحدود الوطنية للدول الخاضعة للسيادة الضريبية والإدارية للدولة. 
ج- الاتجاه الثالث: ويمثله M.Gaudemet يعتبر أن التمييز بين التهرب الضريبي والغش الضريبي يقوم على أساس فكرة الشرعية licite، فالتهرب يكون شرعيا أو قانونيا légale أما الغش فغير شرعي أو قانوني illégale[ ]. وبمعنى آخر، فإذا استخدم المكلف حيلا تدليسية “frauduleux” لتجنب الضريبة وانطوى ذلك على سلوك غير مشروع، وهذا ما يسمى بالتهرب الضريبي غير الشرعي l’évasion fiscale illicite فهذا ما يعني الغش الضريبي. أما إذا قام بتجنب الخضوع للضريبة دونما القيام بسلوك أو تصرف يمثل انتهاكا للقانون فهو تهرب ضريبي حسب Gaudemet. وعموما، يراد بالغش الضريبي كل تملص من ضريبة مستحقة للخزينة، أو مساهمة في تحققه بوسائل محضورة قانونا وهو يتخذ عدة صور، غير أنه لكي يكون هناك غش ضريبي بهذا المفهوم، يجب أن يكون التصرف المخالف للقانون قد تم بطريقة متعمدة[] . 
المطلب الثاني : انواع وصور التهرب الضريبي.
إن معالجة ظاهرة التهرب الضريبي تقتضي بالدرجة الأولى تحديد كل من أنواع وصور هذه الظاهرة، رغم أن التهرب الضريبي من منظور ومقاربة اقتصادية يبقى واحدا وإن تعددت أنواعه واختلفت صوره. مادام يفوت على خزينة الدولة أموالا في أشد الحاجة إليها لمتابعة مسيرة التنمية.
 الفقرة الاولى : أنواع التهرب الضريبي . لكي نحدد أنواع التهرب الضريبي، يتعين دراسة كل من الغش الضريبي الداخلي والتهرب الضريبي الخارجي.
 . 1- الغش الضريبي الداخلي: الغش الضريبي الداخلي يتم داخل الحدود الإقليمية للدولة وبمخالفته لأحكام القانون الضريبي الداخلي ، وذلك بصرف النظر عن جنسية الممول وما إذا كان من رعايا الدولة أو شخصا أجنبيا عنها، فالعبرة هنا ليست بالجنسية ولكن بما يترتب على التهرب من خسارة ومن ضياع مورد هام من موارد الدولة الأساسية”[] . في هذا النوع من التهرب نجد الأفعال المرتكبة في إطار التهرب تتم داخل حدود الدولة ( إقليم الدولة) والملزم يجد نفسه في مواجهة إدارة ضريبية وحيدة . وقد تم تحديد مفهوم اقليمة الضريبة على الدخل في المادة 23 من المدونة العامة للضرائب وعلى إقليمية الضريبة على الشركات في المادة 5 والمادة 88 بالنسبة للضريبة على القيمة المضافة حسب مقتضيات المدونة العامة للضرائب . ومن حالات الغش الضريبي الداخلي هي المنصوص عليها في الفصل 192 من المدونة العامة للضرائب والتي تقوم باستعمال الملزم لإحدى الوسائل التي جاءت حصرا كالتالي : – تسليم أو تقديم فاتورات صورية . – تقديم تقييدات محاسبية مزيفة أو صورية . – إخفاء أو إتلاف وثائق المحاسبة المطلوبة قانونيا . – بيع بدون فاتورات بصفة متكررة . – اختلاس مجموع أو بعض أصول الشركة أو الزيادة بصورة تدليسية في خصومها قصد افتعال إعسارها . وبهذا فقد غل المشرع المغربي يد الإدارة الضريبية بتعداد حالات الإفلات أو التملص من الضريبة في إطار الجزاءات الجنائية، وهكذا لا يمكن للإدارة الجبائية المطالبة بتطبيق الجزاءات الجنائية إلا إذا أثبتت إتيان الأعمال السالفة الذكر .
 2- - التهرب الضريبي الخارجي . لم يعد التهرب الضريبي يقتصر على حدود دولة معينة فقط، بل أضحى يشكل ظاهرة دولية تمتد إلى جميع أنحاء العالم، رغم الإجراءات المتخذة من طرف بعض الدول التي تصل إلى حد تطبيق عقوبات جنائية ضد مرتكبيه، ولكن رغم ذلك لازالت مظاهر التهرب الضريبي الدولي تغزو الموارد الجبائية للدولة التي تتساهل أو تتغاضى عن هذه الممارسات غير المشروعة . وترجع ظاهرة التهرب الضريبي الخارجي بالأساس إلى الانفتاح الاقتصادي نتيجة اتساع التجارة الدولية واندماج الاقتصاديات المختلفة في إطار اقتصاد عالمي، نظرا لتداعيات العولمة، الشيء الذي أدى إلى اتساع حركة رؤوس الأموال والاستثمار خارج الحدود السيادية للدول. مما دفع بالممولين إلى محاولة التخفيف من العبء الضريبي الذي يتحملونه على المستوى الداخلي وعلى الصعيد الخارجي[6] . وبناء عليه، يمكن تعريف التهرب الضريبي الدولي أو الخارجي كما جاء في تقرير صادر عن الأمم المتحدة بأنه يعني”… الخرق الإرادي والتعمد للقانون الغرض منه عدم إخضاع الدخول الدولية للضريبة التي هي خاضعة لها حسب التشريع الجبائي لدولة ما “[7]. ويتم ارتكاب هذا النوع من التهرب الضريبي بالخصوص من طرف الشركات المتعددة الجنسية التي تعمد إلى وضع مركزها الاجتماعي في دولة تتميز قوانينها الضريبية بالمرونة وكثرة الإعفاءات، بل أحيانا يتم اللجوء إلى نقل المركز الاجتماعي للشركة إلى دولة تسمى بالجنة الضريبية “les pardis fiscaux” مستعملين بذلك كل الأساليب الاحتيالية والتدليسية الحديثة في مجال التهرب الضريبي الدولي . وقد عرف الفقه المصري بكونه: ” كل تهرب من الضريبة عبر حدود الدول ومن شأنه أن يفقد الدولة موردا هاما من موارد إيراداتها، يستوي في ذلك أن يسلك المشروع دولي النشاط طرقا مشروعة او غير مشروعة أو تتوفر لديه إرادة التهرب أم لا، وأيا كان التشريع الضريبي الذي يختاره[ ] مستفيدا من تباين الأنظمة والتشريعات الضريبية للدول من أجل التوصل إلى هدفه نحو تخفيف عبئه الضريبي أو إسقاطه تماما “. ومن كل ما تقدم، يظهر وبشكل جلي أن الأسباب الموضوعية التي تساعد على ظهور وانتشار التهرب الدولي هو التوسع الحاصل في مجال حجم الاستثمارات الدولية والتجارة الحرة التي أتت بها السياسة الرأسمالية الليبرالية، وذلك من خلال رفع الحواجز أمام تنقل الأشخاص والشركات المتعددة الجنسية. فغالبا ما يتم استعمال” الجنات الضريبة “[ ]، كطريق معبد للتهرب الضريبي الدولي. 
الفقرة الثانية : صور التهرب الضريبي :
إن رصد أشكال وصور التهرب الضريبي يعتبر من الصعوبة بمكان، باعتبارها تتغير وتتلون بلون المكان الذي توجد فيه، وتتطور وتتجدد في تقنياتها وإجراءاتها حسب سيرورة الزمان. ولكن لتحديد بعض صور التهرب الضريبي على المستوى الداخلي والخارجي، يتعين علينا تقسيم أشكال التهرب الضريبي إلى ما هو قائم على ما يعتبر غشا ضريبيا، والتهرب الذي يمكن أن يسمح به القانون أو ما يسمى بالاختيارات الضريبية.
 1 - - التهرب الضريبي القائم على الغش : تتنوع الوسائل المعتمدة في التهرب الضريبي القائم على الغش أو التهرب الضريبي المركب، لكن مهما اختلفت الآليات والتقنيات المعتمدة تبقى طرقا وإن تعددت تؤدي كلها إلى الإفلات من الضريبة. والتهرب الضريبي القائم على الغش يتخذ عدة أشكال:
     أ‌- الرفع أو التقليص من أسس الضريبة وذلك من خلال الإدلاء بإقرار بدخل إجمالي يحتوي على بيانات غير صحيحة وهكذا ففي إطار الضريبة على الشركات فعلى الشركات سواء أكانت خاضعة للضريبة على الشركات أو معفاة منها، باستثناء الشركات غير المقيمة أن توجه إلى مفتش الضرائب التابع له مقر الشركة الاجتماعي أو مؤسستها الرئيسية بالمغرب إقرارا بحصيلتها الخاضعة للضريبة محررا على أو وفق مطبوع نموذجي تعده الإدارة وذلك داخل الثلاثة أشهر الموالية لتاريخ اختتام كل سنة محاسبية المادة 20 من المدونة العامة للضرائب. كما أنه وفي إطار الضريبة على القيمة المضافة على الخاضعين للضريبة المفروض عليهم نظام الإقرار الشهري أن يودعوا قبل انصرام كل شهر لدى قابض إدارة الضرائب إقرارا برقم الأعمال المحقق خلال الشهر السابق مادة 110 من المدونة. وبالتالي فمخالفة مقتضيات هذه المواد – التي قدمناها فقط كمثال- والإدلاء ببيانات كاذبة يعتبر تهربا وتملصا من أداء الضريبة وذلك بتضليل الإدارة الجبائية، كما أن التهرب الضريبي القائم على الغش يتحقق من خلال عدم الإقرار بالدخول، إخفاء النشاط بالمرة، وجود أرباح مستترة أو مكتومة، خسائر غير حقيقية أو مبالغ فيها، الزيادة في تكاليف أو نقص الأرباح.
 ب- التلاعب المحاسبي [ ]: فبما أن معظم التشريعات الضريبية قائمة على أساس الإقرار، أي إلزام المكلف بتقديم تصريح على أرباحه لمختلف الأنشطة التي يمارسها، فإنه من البديهي أن معظم البيانات اللازمة لهذا التصريح يوفرها النظام المحاسبي الذي يعد نظام قياس واتصال يعمل على تبويب وتسجيل وتلخيص العمليات المالية التي تقوم بها الوحدة، وإعطاء بيان دوري للجهات المعنية بنتائج نشاطها الفعلي، وفي هذا الإطار فإن المكلف يسعى دوما لإدخال تغييرات ولو طفيفة على ملفه خاصة من الجانب المحاسبي، ويبقى أن ممارسة التهرب تمتد من التخفيض من مبلغ المبيعات أو الاستيراد بدون تصريح إلى إهمال تسجيل الإيرادات مرورا بتضخيم أرقام التكاليف القابلة للخصم. وذلك بتخفيض أو تقليص الربح الحقيقي الذي يؤدي بدوره إلى إخفاء جزء كبير من الوعاء الضريبي عن طريق تسجيل أجور ورواتب مستخدمين لا وجود لهم على مستوى أرض الواقع كمستخدمين وهميين يسمح تسجيلهم بتضخم الأعباء التي تؤدى إلى تقليص لنسبة الضريبة” كما قد يتم تخفيض الإيرادات: إذ قد يتم التقليص أو التجاهل لبعض الإيرادات في التقييد المحاسبي وذلك بتبليغ إيرادات تبقى بعيدة كل البعد عن القيمة للربح ويدخل في هذا الإطار: – إخفاء جزء من رقم أعمال الملزم، افتعال العسر ؛ – بيع سلع دون فواتير ووصولات للبيع لا يترك أي أثر للعملية ؛ – تسجيل قيمة المبيعات بأقل من قيمتها الحقيقية المادة 192 من المدونة.
 ج- التهرب الضريبي الناتج عن الصورية . تتوافر الصورية حسب في الحالة التي يبرم فيها عقد ظاهري ويتفق المتعاقدان على ألا يعكس التصرف الحقيقي المبرم بينهما بواسطة عقد آخر خفيا عن عيون الإدارة الجبائية[ ]، والصورية الموجبة للجزاء هي الموظفة للتخلص من الضريبة والتي حصرها المشرع فيما يلي: – تسليم أو تقديم فاتورات صورية ؛ – تقديم تقييدات محاسبية مزيفة أو صورية: وهنا نشير إلى أن حق الإدارة الجبائية في إعطاء الطابع الحقيقي للعقود غير مكرس بنص تشريعي، ومن تم لا سند لها في الكشف عن الصورية وذلك خلافا للمشرع الفرنسي الذي نص صراحة في الفصل 64 L من مدونة الإجراءات الجبائية على هذا الحق المقرر للإدارة، مع ربطه بضمانة للملزمين من تعسفها في استخدامه عن طريق حملها على الإدلاء بما يثبت الصورية التي تدعيها أو لجوئها إلى استشارة ” لجنة التعسف في استعمال الحق” قبل قيامها بالمطالبة بالضريبة وذعائر الغش الضريبي المقترنة بها “ .
 د- التهرب الضريبي الناتج عن افتعال العسر. وافتعال العسر ما هو إلا وجه من أوجه التخلص من أداء الضريبة ومن حالاته: - التظاهر بالخسارة :وهنا فقد يقوم الملزم بتقديم الإقرار الضريبي السنوي مصطنع مع تضمينه بيانات تخالف ما هو ثابت بالدفاتر أو السجلات أو الحسابات أو المستندات الحقيقية والتي تم إخفاؤها عن مصلحة الضرائب، فعدد الملزمين المصرحين بالخسارة يتزايد سنويا .
 2 - - التهرب الضريبي الناتج عن نص القانون . يتحقق التهرب من الضريبة عبر البحث عن مكامن الاستفادة من القوانين الجبائية وذلك عندما يكون تصرف الملزم ظاهره الخضوع للقانون الضريبي وباطنه تحقق التهرب من الضريبة كليا أو جزئيا[ ]، وذلك من خلال:
 أ‌- التهرب الضريبي الناتج عن الاستفادة من القانون الجبائي: إذ نصت المادة السادسة من المدونة العامة للضرائب، فيما يتعلق بالإعفاءات والتخفيضات الدائمة وبموجبها تم إعفاء دائم من الضريبة على الشركات منها شركات ووكالات ومؤسسات وجمعيات وغيرها. وفي نفس المادة البند باء هناك الإعفاءات الكلية المتبوعة بتخفيض دائم لصالح منشآت مصدرة وأخرى تبيع منتجات تامة الصنع لا تتعلق بالقطاع المنجمي لمنشآت مقامة في المواقع الخاصة بالتصدير . وتكثر الإعفاءات كذلك على مستوى الضريبة على الدخل حسب ما نصت عليه المواد 24 – 31 – 47 – 63 – 68 وغيرها إضافة إلى الإعفاءات التي أقرتها الضريبة على القيمة المضافة في المواد 91-92 من المدونة العامة للضرائب وهكذا تطول لائحة الإعفاءات والتي تطرح مشكلا كبيرا ليس فحسب على مستوى عدم ضبطها من لدن الإدارات الضريبة ولكن فيما يتعلق بتحريفها أو استغلالها كأداة للتهرب من الضريبة. خاصة إذا علمنا أن الإعفاءات في إطار الضريبة على القيمة المضافة تمثل ما يزيد عن نصف النفقات الجبائية أي بنسبة 53 % وعلى صعيد القطاعات يمثل قطاع العقار 19.9 % من مجموع هذه النفقات[] 
 ب‌- اللجوء إلى أنظمة التقدير الجزافي. فمن أشكال التهرب أيضا وفي إطار الضريبة على الدخل، اللجوء إلى أنظمة التقدير الجزافي حسب مقتضيات المادة 40 من المدونة العامة للضرائب،إذ يميل بعض الخاضعين للضريبة سيما الملزمين بالمقتضيات القانونية الجبائية[ ]، إلى استغلال ما يفسحه القانون من مجال للتخلص من الأنظمة الجبائية التي تثقل كاهلهم واختيار تلك التي يؤدون عنها ضرائب بأقل تكلفة . وكمثال على ذلك، نشير إلى أن بعض الملزمين الذين يحققون أرباحا مهمة- في إطار الضريبة على الدخل- يختارون نظام الربح الجزافي، بدل نظام المحاسبة الذي تكون مصاريفه كبيرة سيما تلك المتعلقة بأجر المحاسب، ومساهمة الحد الأدنى المطبقة على رقم المعاملات، ومبلغ الضريبة المفروضة على الربح المحقق زيادة على احتمال وضع ملف المعني بالأمر على أنظار مصلحة التحقيقات التي كثيرا ما تكشف عن تلاعبات في ميدان المحاسبة، خاصة وأن أنظمة التقدير الجزافي لا تخلو من نقص في المادة الخاضعة للضريبة . 
ج- تفتيت الصحن الجبائي . وذلك عن طريق امتناع الخاضع للضريبة القيام بالعمل المفضي إلى فرض الضريبة، كامتناع مالك العقار من كرائه خوفا من تعرضه للتضريب الناتج عن الدخول الكرائية أو المداخيل المتأتية من الكراء . كما نجد ذلك على مستوى بيع بعض العقارات[5 ] إذ يتم التهرب الضريبي عن طريق اختيار البديل أقل كلفة جبائيا، ويتضح ذلك من خلال تفويت عقار بين الأصول بعقد هبة بدل عقد البيع للاستفادة من التعريفة المنخفضة المقررة للهبات بين الأصول، ويتم أداء 1.50 % بدل 6 % من الثمن الإجمالي للعقار . فقد يتم مثلا كراء عقارات بمبالغ مالية مهمة تكون خاضعة للضريبة على الدخل غير أن مالكيها يعملون على تقسيم العين المكتراة على أبنائهم عن طريق الهبة بغية التخلص من الضريبة . أو عن طريق إبرام عقود عرفية، ومما لاشك فيه أن العقود العرفية من أكبر مصادر التهرب في ضريبة التسجيل بسبب التكتم والإخفاء الذي يحول دون وصول تلك العقود إلى علم مصلحة التسجيل لاستخلاص الرسوم المستحقة عليها .>
<المبحث الثاني: أسباب التهرب الضريبي واثاره .
ان دراسة ظاهرة التهرب الضريبي في النظام الجبائي المغربي يستوجب منا مقاربة اساب هذه الظاهرة التي تتعدد وتختلف باختلاف وضعية كل ملزم بأداء الضريبة (المطلب الأول ) ،كما انه غير خاف على احد النتائج السلبية التي تترتب عن التملص الضريبي باعتبار أهمية المحاصيل الضريبية في الميزانيات العامة للدولة (المطلب الثاني )

المطلب الأول : أسباب التهرب الضريبي .

 بقدر تعدد المتهربين من الضريبة والمجالات التي يقع فيها التهرب، بقدر ما تتعدد الأسباب والعوامل المؤدية إلى ذلك ويمكن تلخيص هذه الأسباب فيما يلي .

 الفقرة الأولى: - الأسباب التقنية والقانونية: 

يتميز النظام الضريبي بحكم طبيعته التقنية بالتعقيد، كما أن عدم الاستقرار الذي يعرفه النظام الضريبي المغربي والتعديلات المتكررة[ ] التي تتضمنها القوانين المالية كل سنة تجعل النصوص الجبائية يصعب فهمها واستيعابها، والإلمام بفحواها بل يصعب حتى على رجل الضرائب والقضاء نفسه تتبع التعديلات التي تلحق بها وهذا ما يفتح الباب على مصراعيه للتهرب من دفع الضرائب المستحقة . كما أن عدم التشدد في فرض الجزاء على التهرب الضريبي، لا يردع الملزم الذي يوازن بين الجزاء الذي يتعرض له وبين قيمة الضريبة في حال رجحان الضريبة على الجزاء . فإذا كانت نسبة التحصيل الجبائي بالمغرب تتحسن في السنوات الأخيرة فإن الواقع العملي بين العجز عن القيام بتدابير حقيقية لزجر نصف التصريحات المتعلقة بالضريبة على القيمة المضافة و60 % من الشركات الخاضعة للضريبة على الشركات التي تصرح بكونها في عجز مستمر، ونعلم أن جل الشركات لها محاسبة خاصة داخلية وفي المقابل لها محاسبة تقدمها للمصالح الضريبية[] كما أن الإصلاحات التي عرفتها الإدارة الجبائية لم تتضمن الاهتمام بالموارد البشرية والمادية بالصورة الكافية، مما انعكس سلبا على الأدوار التي تقوم بها الإدارة ، خاصة في ظل ضعف تكوين أغلب موظفي الضرائب في مجال المعلوميات، فهكذا يجد مفتش الضريبة نفسه أمام ملفات ضخمة يكون عليه دراستها، ومتابعة الإجراءات الخاصة بفرض الضرائب على أصحابها أو تصحيح الأخطاء المادية المرتكبة في هذا المجال[] . هذا زيادة على كثرة الشواهد الإدارية التي ينبغي له تحريرها، وتسليمها إلى أصحابها كما هو الشأن في قسم الوعاء الجبائي، بحيث هناك فسيفساء من الشواهد كشهادة عدم الملكية، شهادة الدخل، رقم المعاملات واللائحة طويلة، هذا إلى جانب تلقي التصريحات الجبائية ووضع إحصاء لأرقام المعاملات ومداخيل الأرباح، وأحيانا قد يطلب منهم التحقيق في بعض الملفات التي هي من اختصاص مصلحة التحقيقات. أمام هذا الزخم من المهام لا يمكن إلا أن نكون أمام ضعف المراقبة والكفاءة والنجاعة لدى أجهزة التحقيق والتحصيل مما يسهل عمليات التهرب الضريبي. خاصة إذا علمنا أن معرفة الدخول الحقيقية دخول الملزمين بشكل دقيق ضروري لضمان السير العادي للضريبة وإعادة بناء عدالة ضريبية، يتطلب ليس فقط أن يكون التصريح بالدخول يعكس الواقع بل وجود مراقبة ضريبية فعالة للمحاسبة لتحقيق هذه الغاية[] و المحاسبة لغة لها رموز لا يمكن فهمها إلا بضبط هذه الرموز واحترامها فقط بطريقة مقدسة بل أيضا واضحة ومعقلنة تسهل ولوج المعلومات ومعرفتها معرفة دقيقة، مما يجعل فعالية ويقينية المعلومة رهين بتكوين شامل ودقيق بالمادة الضريبية. وفي ظل العدد الضئيل للمحققين الذي تعرفه خلايا التحقيق « les brigades de vérification »، إذ تضم حوالي 300 محقق فقط على الصعيد الوطني مجزأة ما بين 4 و5 محققين لكل خلية، يبلغ عدد هذه الخلايا حوالي 70 خلية مكلفون بالمقاولات الخاضعة لنظام المحاسبة، باستثناء الخلية الوطنية التي تضم ما يفوق 20 محققا[] ولممارسة مهامهم – وإذا استثنينا ولاية الدار البيضاء التي يتمركز بها أغلب المحققين- نجد العمالات والأقاليم الأخرى تعرف خصاصا كبيرا على مستوى عدد المحققين، وكمثال على ذلك فمثلا: مصلحة التحقيق بمكناس مكلفة بمراقبة المقاولات المتواجدة بالخميسات، الراشدية، أرفود. ونظيرتها باكادير يمتد اختصاصها مناطق الجنوب. والخلية المتواجدة بفاس ملزمة بالتنقل إلى كل من تازة، الحسيمة وصفرو. كما أن وجود أجهزة متخصصة في الإدارة الضريبية ومتعددة لا يكفي لحسن تنفيذ السياسة الضريبية، بل يجب بموازاة مع ذلك تدعيمها بمجموعة من الوسائل المادية لتحقيق المردودية المتوخاة . 

الفقرة الثانية : الأسباب الاقتصادية والاجتماعية. 

يساهم الموقف الاقتصادي للملزم في تحديد موقفة من الضريبة ، إذ كلما زاد سعر الضريبة كلما ازدادت محاولات الغش، فضعف مدخول الملزم وكثرة مصاريفه تدفعانه إلى التملص الضريبي إن تزايد الاقتصاد غير المهيكل يجبر المؤسسات المنظمة أو التي تمارس أنشطة بطرق قانونية إلى ممارسة الغش الضريبي، وذلك لأن منتجات أو خدمات المؤسسات غير المنظمة لها أثمنة أقل من أثمنة القطاع المنظم وهذا طبيعي لأنها لا تتحمل تكاليف كالضرائب وهذا قد يجعل المؤسسات المنظمة تقدم محاسبة زائفة تمارس الغش الضريبي ويجعل الدولة تفقد مداخيل ضريبية هائلة[] ونشير إلى أن ارتفاع الضغط الضريبي على فئات معينة يؤدي إلى عدم التصريح لدى الإدارة الجبائية وهو سبب مركزي لانتشار هذا القطاع، ويعتبر ارتفاع الضغط الضريبي من بين العوامل التي تدفع بالمواطنين إلى التهرب من دفع الضرائب، فمؤشر الضغط الجبائي في ارتفاع مستمر، وهذا ما يؤثر على تنافسية المقاولات واستهلاك الأسر المغربية . هذا إلى جانب إحساس الملزم بالضعف تجاه الدولة ماسكة وسائل الإكراه وشعوره بأنه لا يحصل على أي شيء مقابل ما يؤديه كضريبة، كما أن ضعف المستوى الخلقي وعدم انتشار الوعي الضريبي لدى بعض المواطنين الذين يعتبرون سرقة الإدارة الجبائية لا تعتبر سرقة، بل أكثر من ذلك ينظر البعض للمتهرب من أداء الضريبة على أنه سارق شريف، لأنه لا يسرق سوى الدولة وهي شخصية اعتبارية ويستغل الفرصة للحفاظ على أمواله[] أضف إلى ذلك انعدام الثقة بسياسة الإنفاق العام، فلاشك أن لطريقة إنفاق حصيلة الضرائب تأثيرا على نفسية ممولي التكاليف العامة، حيث إذا كانت الأموال تصرف في وجوه يستفيد منها الملزم فإنه يشعر بالراحة والاطمئنان فيدفع الضريبة عن طيب خاطر. ومن الثابت أن عدم المساواة في تطبيق الضرائب تضعف الثقة العامة بعدالة الضريبة وتكون من دواعي التهرب الضريبي، ذلك أن الملزم بأداء الضريبة عندما يلاحظ أوجه الحيف الاجتماعي[ ] الذي تتضمنه الضرائب يحاول التهرب من واجبه متى سنحت له الفرصة بذلك . وفضلا عن الملزم، تتحمل الإدارة قسطا كبيرا في دفع الملزم إلى التملص من دفع الضريبة، عوضا أن تكون عاملا إيجابيا وفعالا في مجال تحديد الأوعية الضريبية وتوعية المواطنين، وتنظيم الرقابة بفعالية ، على العكس من ذلك نجدها تعاني من خصاص كمي وكيفي ورغم الجهود المبذولة فإنها لا تساير تزايد عدد الملزمين من أشخاص معنويين وذاتيين . وخلاصة القول، فإن هذه الأسباب كلما اجتمعت وتعاظمت في البلد الواحد إلا وانعكس ذلك على حجم التهرب الضريبي وعلى حجم الخسارة المالية للخزينة. ويترتب عن التهرب الضريبي آثار سيئة على الصعيد المالي والاجتماعي والاقتصادي ، خاصة إذا علمنا أن تلبية الدولة حاجات المجتمع – في ظل ظاهرة التهرب الضريبي- تواجهه عدة إكراهات وعراقيل.

  المطلب الثاني: آثار التهرب الضريبي: 

المالية والاقتصادية والاجتماعية . إذا كان ممكنا أن تدفع الضرائب بالتنمية وتواكبها في شموليتها، فإن التهرب الضريبي يعاكسها، نظرا لأبعاده السلبية على المستوى المالي والاقتصادي والاجتماعي.

 الفقرة الأولى: آثار التهرب على المردودية المالية .

 تعتبر الضريبة إحدى أدوات التمويل الأساسية لتغطية نفقات وتحملات الميزانية بشقيها التسيير والتجهيزي ، فهي أهم مورد يمول الخزينة العامة للدولة خاصة وأن الدولة المغربية تعد دولة ضريبية بامتياز[ ]، وغير خاف أن المال العام هو عصب حياة الدولة ومرافقها ومحرك تنميتها وتطورها، مما يجعل كل انحراف في بلورة التشريع الجبائي أو في تطبيقه من لدن الإدارة الجبائية أو في الاستجابة إليه من جانب الملزمين يحرم الخزينة العامة من موارد عمومية أساسية ( أولا ). وهذه الوضعية تدفع الدولة إلى البحث عن موارد إضافية لتغطية النقص كالزيادة في الضرائب أو اللجوء إلى المديونية ( ثانيا )
 أولا: التهرب والنفقات العمومية
يعد الإنفاق العام الأداة الأساسية للعمل المالي للحكومة، حيث يحظى بأهمية بالغة في تحديد معالم النشاط المالي للدولة ولمختلف الهيئات المتفرقة عنها، وفي قياس درجات إمكانياتها الاقتصادية والمالية، وبالتالي قدرتها على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولما كانت هذه النفقات تعتمد في تمويلها على الجبايات إلى جانب مصادر أخرى فإن التهرب الضريبي يؤثر بشكل سلبي على النفقات العمومية، وهكذا فقد أصبحت ميزانية الدولة تعاني من عجز هيكلي يصعب تداركه وتجاوزه . وقد أصبح عجز الميزانية في تزايد – منذ 1960- ، وفي هذا الإطار فقد أكد صندوق النقد الدولي أن التهرب الضريبي أضحى من الممارسات الاعتيادية لكل الملزمين بحيث تتراوح نسبة التهرب الضريبي ما بين 30 % و 50 % من حجم الموارد الجبائية مع إضافة القطاع غير المهيكل[] 
 ثانيا: التهرب والمديونية. 
إذا كانت القروض العامة إضافة إلى الإيرادات الضريبية، وإمكانية استخدام الإصدار النقدي الجديد تزيد من قدرة الدولة المالية ( المقدرة المالية القومية ) فإن هذه القروض يجب أن لا تتجاوز نسبة معينة من الدخل القومي، وإلا تعرض الاقتصاد الوطني لعدة مخاطر تحد من إمكانية نموه. ويعتبر المغرب من بين البلدان التي تعرف تضخما فيما يخص المديونية والتي يعاني من نتائج تسديدها على الصعيد الداخلي غير أن الدولة وأمام ندرة الإيرادات العمومية وتزايد النفقات العامة المستمرة تلجأ مضطرة إلى الاستدانة خاصة وان إيراداتها الضريبية التي تمثل أكثر من 60 % من ميزانية الدولة تتعرض إلى تهرب مستفحل يتزايد سنويا وهذا ليس بالجديد فمنذ سنة 1980 وحسب تقرير اللجنة الوطنية المكلفة بالحملة التطهيرية ضد التهرب الضريبي والتهريب الجمركي قدرت خسارة الخزينة فيما يزيد عن 28 مليار درهم عن عمليات التهريب وحوالي 600 مليون درهم عن عمليات التهرب الضريبي .مما يمثل إجماليا حوالي نصف ميزانية الدولة، الشيء الذي يدفع بالدولة إن أرادت تغطية نفقاتها العامة اللجوء إلى الاقتراض. فإذا كانت كل حكومة على تعاقبها بالمغرب تصرح بضرورة مواصلة تحسين تدبير الدين العمومي الذي يمثل ثلث حجم الميزانية العامة للدولة حسب قانون وتصفية ميزانية 97/98 والعزم بالتالي على إجراء اتصالات مع الحكومات المعنية ( المقرضة) لإيجاد حلول كفيلة بالتخفيف من تحملات هذا الذين فإن الدولة لا تجد محيدا من اللجوء إلى الاقتراض بنوعيه الخارجي والداخلي لتبقى تبعاتها السلبية مستمرة، ويجعل الدولة ملزمة بدفع أقساط خدمة الدين مما يرهق ميزانية الدولة ويعطل مسار التنمية بالمغرب مما يضطر الدولة إلى الاقتراض الخارجي مرة أخرى وهو ما يزيد من تبعية الاقتصاد المغربي للمؤسسات المالية الدولية الخاصة منها والعامة. ولذلك وجب على الدولة أن تبحث عن مصادر جديدة وتعبئة مواردها الداخلية ولاسيما الضريبة بنهج سياسة حمائية من كل تهرب ضريبي خاصة وأن الضرائب تشكل حوالي 90 % من مداخيل الدولة.

 الفقرة الثانية: آثار التهرب الضريبي على العدالة الاجتماعية .

      أولا: مفهوم العدالة الضريبية . إن المشرع الجبائي يسعى دائما إلى تحقيق العدالة الجبائية والتي تتحقق عن طريق توزيع العبء الضريبي على كافة الشرائح الاجتماعية لأنه لا وجود لواجب ضريبي دون جباية عادلة” فيرى البعض أن ضمان العدالة الجبائية يتم عن طريق دفع المكلفين المتشابهين في الإمكانيات نفس القدر من الضرائب والرسوم وان يدفع المكلفون ضرائب تتضاعف بتصاعد إمكانياتهم. فالعدالة الضريبية لا تتحقق إلا إذا تحقق نظام ضريبي يجعل كل فرد يساهم في النفقات العامة حسب مقدرته التكليفية، أي ما يحصلون عليه من دخل وما يمتلكون من مال . فإذا كانت العدالة الجبائية من بين الأهداف الأساسية التي يسعى الفرض الجبائي إلى تحقيقها فإن جل التشريعات الجبائية المطبقة سواء في الدول المتقدمة أو في الدول السائرة في طريق النمو، تنص من الناحية النظرية على الارتباط القائم بين المردودية والعدالة الجبائية وعلى ضرورة التوفيق بينهما. ويجد مفهوم العدالة الجبائية أصله في الفصل 13 من تصريح حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789 الذي ينص على إلزامية الاقتطاع الجبائي حسب القدرة التكليفية للمواطنين، ونفس الشيء ينص عليه الدستور المغربي بتنصيصه على أن جميع المغاربة سواء أمام القانون ويؤكد الفصل 39 منه على أنه ” على الجميع أن يتحمل، كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية، التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في هذا الدستور. ”. ويعتبر مبدأ المساواة الجبائية أحد المكونات الرئيسية لمفهوم العدالة، فباسم العدالة الجبائية تم إقرار مبدأ المساواة أمام الضريبة، وعمومية الاقتطاع الجبائي. فالعدالة الضريبية تشكل حالة معيارية، قد تكون ممكنة أو غير ممكنة بفعل النظام الجبائي القائم، بخصوصياته البنيوية والتاريخية والثقافية، وبالمقارنة مع هذه الحالة المعيارية تكون مكونات المؤشر دالة على مدى التقدم أو على مدى التراجع في مجال توسيع نطاق الإنصاف الجبائي. وفي إطار العدالة الضريبية يمكن التمييز بين شكلين من العدالة:
 1- العدالة العمودية: وتقتضي التشخيص والتصاعد الجبائي عن طريق تحميل المداخيل المرتفعة عبئا اكبر من المداخيل المنخفضة، أي معاملة الملزمين ذوي الوضعيات الاقتصادية غير المماثلة معاملة غير مماثلة .
 2- العدالة الأفقية: ويقصد بها إخضاع أو مماثلة الملزمين ذوي الوضعيات الاقتصادية المماثلة معاملة مماثلة. إن وضعية العدالة الجبائية تختلف حسب الظروف التاريخية والسياسية والاقتصادية في كل بلد، كما يثير الكثير من النقاش والجدل بسبب نسبيته، وعلى العموم تبقى الضرائب العادلة هي تلك التي تتبنى أحكاما وقواعد فنية خالية من الغموض والتعقيد القانوني والقائمة على تشخيص السعر والوعاء وعلى مرونة الاستخلاص[] والتي تستهدف كأداة للحد من الفوارق الاجتماعية، وبذلك فالقواعد الفنية التي تحكم الجباية من وعاء وأسعار وإعفاءات كلها عوامل تساعد على تشخيص الجباية هل هي عادلة أم لا. ولا تكفي هذه القواعد لوحدها بل لابد بالإضافة إلى ذلك من تشخيص واقع الحال ليبقى المعطى السوسيولوجي محددا أساسيا لمدى عدالة جباية ما من عدم عدالتها. 
     ثانيا: العدالة الاجتماعية في ظل التهرب الضريبي. لم تعد ظاهرة التهرب الضريبي مشكلة مالية فقط، ولكنها أصبحت قضية ذات أبعاد اجتماعية، خاصة إذا علمنا أن العدل في مجال التحصيل يستند على ركيزة أساسية وهي المساواة أمام تحصيل الضريبة بين الملزمين، لكن نصوص التشريع القانوني مهما بلغت دقتها وعدالتها يبقى نجاحها رهينا بمدى وكيفية تطبيقها [] وفي هذا الإطار فإن الحديث عن العدالة الاجتماعية في ظل التهرب يبقى أمرا صعب المنال، خاصة في ظل مساهمة هذه الظاهرة في تكريس الفوارق الاجتماعية من خلال تقليص فرص الشغل وانتشار البطالة، فصحيح أن الحكومة وللحد من آثار البطالة وذلك بإحداث صناديق في إطار ميزانيات الدولة كصندوق النهوض بتشغيل الشباب وصندوق تمويل نفقات التجهيز ومحاربة البطالة الذي حل محله فيما بعد صندوق دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الا ان هذه الصناديق عرفت إكراهات ندرة الأموال العمومية نتيجة حجم المبالغ المالية على خزينة الدولة بسبب التهرب الضريبي . كما يؤثر على قدرة الحصول على سكن اقتصادي إذ تتزايد مدن الصفيح وينتشر السكن العشوائي وذلك لعجز الدولة عن دعم السكن الاقتصادي دعما يجعل المواطنين دوي الخل المحدود قادرين على الحصول على سكن اقتصادي ملائم لوضعهم المادي . هذا إلى جانب انعكاس التهرب الضريبي على السلم الاجتماعي من خلال تأثيره على مستوى التعليم إذ اصبح معدل الأمية في المغرب يصل الى 55 % حسب التقارير الصادرة عن المغرب ، كما أن مستوى التعليم بكل المستويات يتراجع ويتدهور سنويا لعدة إكراهات منها قلة النفقات المخصصة للاستثمار في التعليم من حيث البنيات التعليمية وتجهيزها. إضافة إلى أن نقص الإيرادات العامة جعلت الدولة غير قادرة على الوفاء بسياسة التأمين الإجباري عن المرض ونظام المساعدة الطبية لفائدة الفئات السكانية الضعيفة اقتصاديا، فالاستشفاء لم يعد يخضع لمبدأ مجانية الصحة العمومية في بلد يعيش أغلبية سكانه على عتبة الفقر. ولهذا فإقرار العدالة الضريبية هو سبيل من بين سبل أخرى تساهم في التخفيف من التهرب الضريبي، فالممارسات التي تتسم بالتمييز بين الملزمين بالضريبة تزيد من حدة عدم عدالة الضريبة خاصة إذا كان أكثر المتعاطين للتهرب هم أصحاب الدخول الكبيرة وهذا ما أكده جلالة الملك الراحل الحسن الثاني بأن ” الأغنياء لا يدفعون الضرائب المستحقة عليهم، لأن المغربي الغني يتهرب من الضرائب “[] ومطلب العدالة الضريبية هو أساس لترسيخ الوعي الضريبي كما أن ترشيد النفقات العمومية لن يؤدي بدوره إلا إلى دعم الوعي الضريبي فالمجهودات التي تبدلها الدولة فيما يخص توفيروتحصيل العائدات الجبائية يجب أن يقابلها مجهودات أكبر في ترشيد النفقات العمومية وعقلنتها لتجنب التملص الجبائي. وكما جاء في خطاب جلالة الملك[ ]:” المواطنة الحقيقية ستبقى ناقصة وصورية وهشة ما لم يتم توطيدها بمضمون اقتصادي واجتماعي وتحصينها بروح أخلاقية “. 

الفقرة الثالثة : الآثار الاقتصادية للتهرب الضريبي .

يرتبط الاقتطاع الضريبي ارتباطا وثيقا بالهياكل الاقتصادية للدولة وبدرجة نموها، فالاقتطاع الضريبي إذا ما تجاوز حدا معينا أصبح سببا من أسباب الركود الاقتصادي ،وذلك نظرا لكونه يمس بروح المبادرة الحرة مما يؤدي إلى التمايز بين قطاعات الإنتاج والتأثير على مستوى الاستثمار . 

   اولا: التهرب الضريبي وآثاره على النمو الاقتصادي . 

تعد الضرائب من أهم الموارد الاقتصادية التي تعتمد عليها الدولة في تغطية نفقاتها وبذلك فقد أصبحت الضريبة مصدرا مهما للتمويل وأداة ناجعة لتشجيع الأنشطة الاقتصادية وآلية للتأثير على دخول الطبقات. غير ان ظاهرة التهرب الضريبي قد تجعل توجه الدولة الاقتصادي يخطئ طريقه المنشود . يقول الأستاذ لوفنبرجير”Laufenberger” أن:” علم الضرائب يعتبر مرآة تنعكس عليه البنية الاقتصادية للدولة، فكلما كان الاقتصاد ضعيفا وبسيطا كان النظام الجبائي بدائيا والعكس صحيح “ فإذا كانت الضريبة قديما من حيث الممارسة ومن حيث كونها أداة في يد الدولة لتغطية أعبائها، فإن اللجوء إليها كأداة للسياسة الاقتصادية يعتبر حديثا نسبيا، إذ يعود إلى التحول الحاصل في طبيعة مهام الدولة من كونها حيادية إلى متدخلة في الحياة الاقتصادية. وهكذا فإن الدور الاقتصادي للجباية يتجسد أساسا بالنسبة للدول المتخلفة في الإنعاش والتحفيز على الاستثمارات، رغم أن الدول ذات الاستراتيجية الوسيطة[ ] للتنمية لا تعطي لسياسة التحفيز إلا مكانة ثانوية في إطار عملية تحريك النشاط الاقتصادي، لأن الاستثمارات الأساسية تتحملها الدولة، وبالمقابل فإن الدول المختلفة ذات التوجه الليبرالي كالمغرب ، تضع آ مالا كبيرة في إجراءات التشجيع من أجل تنمية الاستثمارات الخاصة والتي تعتبرها – الدولة- أساسية في مجهودات البناء الاقتصادي الوطني ومنه تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة. هذه التنمية تتم في إطار مسلمة ثلاثية: * التقدم الاجتماعي ناتج عن التطور الاقتصادي ؛ * التطور الاقتصادي ناتج عن نمو الناتج الوطني الاجمالي ؛ * نسبية نمو الناتج الوطني الاجمالي ناتجة عن نسبة تراكم الرأسمال. وهو ما سيجعل الجباية في خدمة التراكم – حسب ـJ.Percebois – وهذا التراكم لا يمكن تحقيقه بدون دعم الاستثمار. فنهج سياسة ثنائية التدخل الجبائي والتنمية تستدعي أولا الانطلاق من توضيح أي شكل من السياسة الجبائية في خدمة أي شكل من التنمية. مع أن الكتاب اختلفوا في تحديد الهدف الأساسي للضريبة حيث يرى البعض أنها وسيلة لتغطية نفقات الدولة التي لا يجوز عبرها التدخل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية إلا أن البعض مثل P.M Gaudemet” يرى أن للضريبة دورا ماليا وآخر اجتماعيا واقتصاديا، إلا أن قسما آخر من المفكرين مثل” Fontaneau” يؤكد على أن الدور الأساسي للضريبة ليس ماليا بل اقتصاديا. خاصة وأن للضريبة جانب اقتصادي هام يمكن تلخيصه فيما يلي: – المساهمة في تغطية النفقات العامة ؛ – تعتبر إحدى أدوات السياسات المالية التي تعتمد عليها الدولة في تحقيق أهدافها ومنها [] * تحقيق الاستقرار الاقتصادي ؛ * تشجيع الأنشطة الاقتصادية عن طريق التقليل من نسبة الضريبة المفروضة على القطاعات المعنية بممارسة هذه الأنشطة، وقد تلجأ الدولة أحيانا إلى إعفاء هذه القطاعات من دفع الضريبة * حماية القطاعات المحلية وتشجيع الاستهلاك الوطني ويتم ذلك عن طريق زيادة الضرائب الجمركية على السلع المستوردة. هذا في ظل تفاعل متبادل، ذلك أن التنمية الاقتصادية تضاعف من وجود المادة الخاضعة للضريبة وتجعلها أكثر تنوعا. وتبعا لذلك، فكلما ارتفع الدخل الوطني وازداد عدد المكلفين بالضريبة كلما خضع قسما من هذه الموارد للضريبة على الدخل، كما أن مردودية الضرائب على الإنفاق تتزايد عقب تضاعف المبادلات وارتفاع القيمة المضافة للمنتوجات المتبادلة. كما ان التهرب الضريبي يؤثر على التخطيط الاقتصادي الذي يهدف إلى الرقي والتنمية، كما أنه يصبح سبيلا من سبل التضليل وتشويه الحقائق وتقديم معلومات خاطئة حول النشاط الذي يقوم به الملزم بالضريبة وأحيانا يلجأ إلى تغيير طبيعة المواد المستعملة في الإنتاج عبر عدة آليات كالتظاهر بالخسارة، أو قد يتجه الملزم إلى أنشطة اقتصادية تعرف إعفاءات ضريبية أو انخفاضا في الأسعار الضريبية مما سيعيق الوسيلة الجبائية لدى الدولة كأداة لتوجيه الاقتصاد الوطني[] 

  ثانيا: آثار التهرب الضريبي على الإنتاجية وتوزيع الدخل .

 أ: آثار التهرب على مستوى الإنتاجية: من المعلوم انه كلما كان هناك تهرب ضريبي من المكلفين بأداء الضريبة ،فان الدولة تلجا الى البحث عن مصادر تمويلية جديدة لخزينة الدولة ،وهذا البحث في الأخير يؤدي الى ضغط ضريبي اتجاه المكلف الذي يؤدي ضرائبه بانتظام ،الا ان كما أن العبء الضريبي أو الضغط الضريبي الذي يساهم فيه التهرب الضريبي أو يؤدي إليه، يؤدي الى نتائج سلبية على مستوى الإنتاجية . إن من بين الآثار الاقتصادية للضريبة تأثيرها على حجم الإنتاج ، ذلك أن تأثير الضريبة على الادخار إنما ينطوي في حقيقته على الحد من حجم الاستثمارات الخاصة[ ] وزيادة الاستثمارات العمومية، كما أن فرض الضريبة يؤدي إلى رفع نفقات الإنتاج مما يحد من أرباح الملزمين الذين يحاولون نقل عبء الضريبة إلى المستهلك وذلك من خلال زيادة أسعار بيع الإنتاج ، وقد يتجه الملزمون إلى تخفيض حجم الإنتاج بالحد من استخدام عوامل الإنتاج المتاحة وبالتالي زيادة البطالة، مما يؤدي بالدولة إلى زيادة إنفاقها. ولعل ما يؤدي إلى نقص الإنتاجية هو ارتفاع نسب الضغط الضريبي ذلك انه كلما كانت شعلة الأسعار مرتفعة ، كلما كانت المردودية الصافية جد ضعيفة، وتكون معه الرغبة في الاستثمار بدورها ضعيفة ، وهكذا فكل ضريبة تستلزم من الملزم التنازل عن جزء من مدخوله لصالح الدولة. ويمكن إدراك هذا إدا علمنا أن شرائح الأسعار الضريبية تنتقل تصاعديا، وبالتالي كيف للملزم أن يثابر على زيادة دخله إذا علم ان ذلك سيكلفه سعرا ضريبيا مرتفعا. وفي هذا السياق يتضح أن المبالغة في مستويات الضغط الجبائي لا تخلق المناخ المناسب لتشجيع العمل والادخار، وفي نفس الوقت يشكل إعاقة للمبادرة الخاصة للمقاولة، فبسبب قوة الضغط الجبائي ستكون الدخول ضعيفة مما يؤثر على إمكانية الاستثمار، وبالتالي سيحد من النشاط الإنتاجي.
 ب: اثار التهريب على مستوى توزيع الدخل:  انطوت الاتجاهات الاجتماعية والاشتراكية في الدول الرأسمالية على دعوة الدولة للعمل على إعادة توزيع الدخل القومي، بما يكفل تحسين أوضاع أصحاب فئات الدخل المنخفض وتعد الضريبة من أبرز الأدوات المالية التي تستعين بها الدولة في هذا المجال. ويتضح من النظام الجبائي المغربي أن الضرائب غير المباشرة تحتل المراتب الأولى من حيث الأهمية، وهذا ما قد يترتب عليه انخفاض مستوى الدخول لمعظم المواطنين، باعتبارها ضرائب تصيب المستهلك الذي يكون على عتبة الفقر او موظفا بسيطا ذا دخل محدود. وهكذا فإذا كان ارتفاع سعر الضرائب غير المباشرة يحقق إيرادات مهمة ويعوض خزينة الدولة عما يفوت عنها بسبب التهرب الضريبي ، فان ذلك يتنافى بالمقابل مع إعادة التوزيع العادل للدخل، ذلك أن الضرائب غير المباشرة تقع على الاستهلاك فتؤدي إلى ارتفاع المنتجات ليزيد العبء على الطبقات الفقيرة ( ذات الميل المرتفع للاستهلاك) أكثر منها على الطبقات الغنية ( ذات الميل المنخفض للاستهلاك ). هذا في ظل تعرض الضرائب غير المباشرة لانتقادات[ ] متعددة من بينها إنها شديدة الوطأة على الفقراء مقارنة مع الأغنياء فهذه الضرائب لا تراعي ظروف الملزم الشخصية، إذ يخصص الفقراء نسبة مهمة من دخلهم للاستهلاك فيما تنخفض هذه النسبة عند الأغنياء. 

خاتمة:

 إن دراسة موضوع ظاهرة التهرب الضريبي ، يبرز أن هذه الظاهرة أضحت من المواضيع التي تشغل جميع مكونات المجتمع من سلطات عامة ومجتمع مدني، بل أصبحت جل الدول تفكر في إيجاد حلول تقلل من انتشار هذه الظاهرة. كما اتضح لنا خطورة التهرب الضريبي على جميع المستويات باعتباره وسيلة تهدف إلى النقص والتقليل من الموارد المالية التي تشكل وسيلة لتمويل الميزانية العامة للدول التي تعتمد على الضرائب في تمويل النفقات العمومية، كما تساعد على تمويل الاستثمار في المجالات الاقتصادية ولاجتماعية. وامام ارتفاع حجم الخسائر التي تتكبدها الدولة فانها تلجا الى البحث عن موارد أخرى لسد العجز الحاصل على مستوى مالية الدولة وهو ما يؤدي الى اضرار على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والمالية. ودراسة ظاهرة التهرب الضريبي ابرزت لنا حجم الحيل والصور التي يتم اللجوء اليها ان على المستوى الداخلي او على المستوى الدولي ،وهو ما يجعل مكافحة الظاهرة يتطلب أولا إصلاح الاختلالات المولدة لها .ونشر توعية على مستوى الأوساط المكلفة بأداء الضرائب وإبراز أهمية الضريبة في الحياة اليومية للمواطن .اضافة الى تعزيز دور المراقبة الضريبية بتقوية أجهزتها وتحديث سبل عملها . >

banner
الموضوع السابق
الموضوع التالى

0 التعليقات: